23 ديسمبر، 2024 1:08 ص

خلفيات الانتفاضة في إيران وإلى أين تسير؟

خلفيات الانتفاضة في إيران وإلى أين تسير؟

أكد خامنئي قائد نظام الولاية في كلمة أدلى بها بعد أسبوعين من الانتفاضة وبعد إعلانه الصريح عن وقوف مجاهدي خلق كتيار وراء الانتفاضة على نقطة وهي: «هذه ليست بالأحداث العادية، فلا يوجد نظير لها في أي مكان من العالم وهذا ما أقوله عن اطلاع ومعرفة». «كانوا مستعدين منذ شهور. وسائل إعلام المنافقين (مصطلح يستخدمها خامنئي ونظامه بشأن مجاهدي خلق) نفسها اعترفت في هذه الأيام وقالت إننا كنا على ارتباط بالأمريكيين منذ عدة شهور في إطار هذه القضية بأن يكونوا هم العملاء والمنظمين والمنسقين ومن يلتقون هذا وذاك، ومن يعملون على أشخاص في الداخل ويجدونهم ليساعدوهم حتى يأتوا ويثيروا الناس. وهم الذين دعوا ونادوا، وأنْ يطلقوا شعار لا للغلاء. وهذا شعار يروق للجميع. يجتذبون عددا من الناس بهذا الشعار، ثم يأتون هم أنفسهم بين الناس وينفذون أهدافهم المشؤومة ويجرون الناس وراءهم».

وفي إلقاء نظرة على التطورات السياسية في إيران خلال العام ونصف العام الماضي، توجد أرضيات واضحة وصريحة من الناحية السياسية تقودنا بشكل واضح نحو ذروتها. وتحديدا منذ مهزلة الانتخابات في حزيران/ يونيو حيث ارتفعت نبرة الأزمات الداخلية للنظام بشأن الانتخابات. كما أعلن جيش التحرير عن انطلاقة حملة المقاطعة وشعار «لا للجلاد ولا للمحتال» من خلال حملة داخل إيران ألقت بظلالها بشكل واضح على كل أنحاء إيران وذلك من الناحية السياسية والاجتماعية.

وعبر دراسة إحصائية حول النشاطات والاحتجاجات الاجتماعية يمكن أن نشاهد وذلك بإذعان من قبل مسؤولي النظام ممن يصغرون الأرقام والإحصاءات، أن هناك 43ألف حركة احتجاجية وقعت في فترة الولاية الجديدة لروحاني (وكالة أنباء تسنيم، سلمان ساماني، المتحدث باسم وزارة الداخلية لروحاني 13كانون الثاني/ يناير 2018). ولو افترضنا أن هذا التقرير يعكس الحالة منذ الولاية الأولى لروحاني حتى الآن، لوجدنا أن هناك 811تجمعا احتجاجيا وقعت خلال 53شهرا مما يعني 27تجمعا بشكل يومي.

وأدت هذه الحركات الاحتجاجية الواسعة بجانب النشاطات والحملات الواسعة لمجاهدي خلق داخل إيران، في 28كانون الأول/ ديسمبر الماضي إلى شعار «الموت لخامنئي وروحاني» في مدينة مشهد ونهاية عهد الجناحين الإصلاحي والأصولي.

وعلى سبيل المثال كتبت وسائل الإعلام الإخبارية التي تتجاهل عموما مثل هذه النشاطات المنظمة، خلال مهزلة الانتخابات الرئاسية تقول:

«وعشية الانتخابات الرئاسية في إيران، قام مناصرو منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة بنشاطات واسعة في أرجاء البلاد، مطالبين بمقاطعتها. فكتبوا شعارات معارضة على جدران المدن وقاموا بلصق صور رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية مريم رجوي وزعيم المقاومة الإيرانية مسعود رجوي. وكذلك، رفعوا لافتات تدعو إلى مقاطعة الانتخابات، لا سيما في العاصمة طهران، ومدينة قزوين في مركز إيران وهمدان وشهركرد ومشهد وأرسنجان وكرج وكردكوي وأراك وبومهن وبندرعباس وباسارغارد، وذلك رغم تشدد الإجراءات من قبل المؤسسات العسكرية. ولم تكتف المعارضة الإيرانية بنشر شعاراتها في الشوارع وعلى الطرقات، بل عبر الكثيرون عن امتعاضهم من مسرحية الانتخابات بطرق مختلفة، في بلد ليس بقريب من مفهوم الديمقراطية أو العدالة. فاجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا تويتر، تعابير تصف العملية الانتخابية بالزائفة والكاذبة. #انتخابات_إيران_الزائفة، بهذا الهاشتاغ بالذات، تواصل معارضو النظام في إيران ومؤيدوهم، وانتقدوا تصرفات الحكام تجاه الفقراء من المواطنين والمواطنات»(الشرق الأوسط 20أيار/ مايو 2017).

ولم يكن على سبيل الصدفة أنه:

في سابع يوم من الانتفاضة، وبعد عدة أيام من قيام النظام بحجب العديد من مواقع التواصل الاجتماعي وقطع الانترنت أو جعله ضعيفا للغاية، قال الحرسي جعفري قائد قوات الحرس «إن عدم السيطرة على الفضاء المجازي الذي إدارته خارج البلاد، وقصور المسؤولين في السيطرة على هذا الفضاء، قد ساعدت في تصاعد أعمال الشغب، ولكن حينما تم السيطرة على الفضاء المجازي، رأينا انحسارا في الأعمال الفتنوية». (وكالة أنباء فارس لقوات الحرس 3كانون الثاني/ يناير).

وكشف مدير شبكة التلغرام «باول دورف» في مقابلة تلفزيونية عن اتصال «جهرمي» وزير الاتصالات لحكومة روحاني به حيث طالبه مقابل دفع رشاوى أن يمنحه الموافقة على أن تتمكن حكومة الملا روحاني من تطبيق سياساتها على شبكة التلغرام. وأكد بأن لدينا وثائق عديدة من الأشخاص المهمين في إيران مثل الاتصالات السرية والتواطؤ والفساد المالي مما أدى إلى القلق لديهم ولهذا السبب يتهموننا بالعلاقات المالية مع وكالات التجسس.

ومن جهة أخرى وطبقا لتقارير واردة عن مصادر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، يشكل الطلاب المدرسيون 35بالمائة من الذين اعتقلوا خلال الانتفاضة. كما أعلن في وقت سابق الحرسي حسين ذوالفقاري «المساعد الأمني لوزارة الداخلية» أن الشباب والمراهقين يشكلون أكثر من 90بالمائة من المعتقلين ولا يتجاوز معدل أعمارهم 25عاما. ويمكن اعتبار رسالة حضور اجيل الشباب في وجه الاستبداد الديني بمثابة هزيمة نهائية تلحق بهذه الحكومة لأنه ورغم استيلاء النظام على جميع نواحي الحياة للمواطنين الإيرانيين غير أن جيل الشباب وقف ونهض في وجهه مرة أخرى.

وبالنتيجة ينبغي التأكيد على أن الانتفاضة الإيرانية لم تكن حركة تلقائية من شأنها أن تتوقف بقمع مرحلي، ولو أغمضنا عن خلفيتها العائدة إلى 20حزيران/ يونيو 1981 أي بدء القمع الهجمي ضد مجاهدي خلق من قبل النظام مما تمخض عن 120ألف شهيد ومجزرة 30ألفا من السجناء السياسيين من أعضاء مجاهدي خلق في عام 1988، لقد كانت هذه الحركة العظيمة والواسعة ناجمة عن الحركات الاحتجاجاية خلال الـ4سنوات والـ5أشهر الماضية حيث بلغت في 28كانون الأول/ ديسمبر الماضي منعطفا نوعيا مما تحول إلى غليان اجتماعي من قبل المساكين في أكثر الشرائح فقرا وانتشر في 142مدينة بكل أرجاء إيران. وهكذا لا يتوقف بركان الغضب الشعبي نظرا لأسبابه الحقيقية وأساسه المشتمل على الغضب والكراهية من قبل المواطنين رغم جميع التقلبات في مساره وهو يمضي قدما نحو الأمام حتى الإطاحة بالنظام بكلا جناحيه برمتهما.