27 ديسمبر، 2024 4:10 م

خلط أوراق إيراني في الأنبار

خلط أوراق إيراني في الأنبار

كان محمد الحلبوسي، مثل باقي زملائه في التحالف الثلاثي (إنقاذ وطن) ، مغرما بالحديث عن تحرير الإرادة الوطنية من الوصاية الأجنبية، وعن تشكيل حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية، والخلاص من الهيمنة الخارجية، ويقصدون إيران. ولكن ثلاثة أرباع الشعب العراقي، ومنهم موالون للمُتحالفين الثلاثة، لم يقبضوا بجد هذه الشعارات، ولم يعتقدوا بأنهم جادون وقادرون على إعلان المواجهة المصيرية مع إيران، والسعي لطردها وتصفية وكلائها.

فمقتدى المالك لجيش المهدي وسرايا السلام، ومسعود البرزاني المحصن بسلاح البيشمركة والدعم الأمريكي والتركي والإسرائيلي، يمكن أن يُفكرا بشق عصا الطاعة على جماعة الإطار التنسيقي، من أجل الانفراد بالمناصب والمكاسب والرواتب، لأهداف متنوعة، بعضها شخصية زعامية، وبعضها الآخر حزبية وسياسية أغرتهما بها التغيرات الأخيرة التي طرأت على موازين القوى في المنطقة، خصوصا في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا وانعكاس آثاره على صلابة الوجود الإيراني في العراق.

ولكن الحلبوسي هو الوحيد الأكثر عجزا من حليفيه عن تحدي الوصاية الإيرانية، وذلك لأنه أعزل من مليشيات وسلاح، ووهو الوحيد بينهما الذي لا يسند ظهره بدولة داعمة محاربة يمكن أن تقف معه في مواجهة إيران.  يضاف إلى ذلك أنه محاصر بنفوذ شريكه في تحالف السيادة، خميس الخنجر، وكذلك بالمَشيخات الأنبارية الأخرى التي تجاهر بتحدي زعامته. وبعودة علي حاتم السليمان وزهير العيساوي إلى عقر داره، بترتيبٍ إيراني لتهديده بانتزاع تمثيله للمكون السني، لم يعد أمامه سوى خيارين، الأول هو البقاء في التحالف الثلاثي وخوض معركة خاسرة مع المعسكر الإيراني، والخروج الحتمي في النهاية من مجمل العملية السياسية. أما الثاني فهو التراجع والتلويح  باستعداده للخروج من التحالف الذي أصبح يزعج الإيرانيين.

وزيارته الأخير لطهران التي كانت مؤجلة، ثم سارع إلى اغتنام فرصة القيام بها فور السماح له بها، تعزز القناعة بأنه ضعيف ومطوق بالمنافسين، وعائد، تائبا، إلى الخيمة الإيرانية، أو على الأقل لإفهام خصومه بأنه ما زال في حمى الحرس الثوري، وأن خلافه ليس مع إيران، بل هو مع ممارسات نوري المالكي، وخصوصا مع محاولاته التآمرية الأخيرة لإرباك المشهد السياسي في الأنبار.

فقد تضمنت الزيارة لقاءَه برئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والأمين العام لمجلس الأمن القومي علي شمخاني، إضافة إلى وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. 

وكان الحلبوسي، قبل الزيارة قد أصدر بيانا غاضبا، بعد يوم واحد من عودة علي حاتم السليمان، قال فيه إن “العمل السياسي تحكمه ثوابت وأخلاقيات، ولا يمكن أن يُصنف الاستهتار بأمن المواطنين، وإثارة الفتن بين أبناء الشعب، تحت أي سبب كان، على أنه مناورة أو ضغط سياسي”.

وأكدت مصادر كردية مطلعة أنه أبلغ مسعود البارزاني، خلال زيارته الأخيرة لأربيل، بأنه سوف يستقيل ويتحول إلى المعارضة إذا ما استمرت محاولات “التلاعب بأمن الأنبار أمنياً وسياسياً”.

ويبدو أنه فهم الرسالة القطرية الإيرانية التي تمثلت بالاحتفالات القبلية والشعبية في الأنبار المبالغ فيها كثيرا في استقبال خصمه الأكثر خطرا على زعامته السنية. خصوصا بعد أن بدأ مؤيدو علي حاتم سليمان بدأوا يتحدثون عن فساد  الحلبوسي وحلفائه، أحمد الجبوري (أبو مازن) ومشعان الجبوري وخميس الخنجر، ويتداولون أخباره وأخبار معاونيه، ويُحلمونه  المسؤولية عن  تقزيم المعسكر السني، وعن اختيار الوزراء والمدراء السنة الانتهازيين والمزورين والمهربين. كما يتهمونه بالتقصير عن حل مشكلة المغيبين الذين لم يفعل شيئا من أجل معرفة مصيرهم، بحكم ولائه للإيرانيين القادرين على إجبار وكلائهم العراقيين على تقديم هذه الخدمة، ترضية له، على الأقل.

كما اتهموه بالتواطؤ مع المليشيات الشيعية على البقاء في مناطقهم، والسكوت عن ممارسات الاستغلال والابتزاز والقمع التي تمارسها بحق المواطنين، وبسكوته عن هيمنتها على المنافذ الحدودية الواقعة في الأنبار.

وفي هذه الأجواء التي لا يمكن تبرئة إيران من السماح لنوري المالكي بتدبيرها لخلط الأوراق فيها أصبح واضحا أن المطلوب هو إجبار الحلبوسي على الخروج من تحالفه مع مقتدى الصدر ومسعود البرزاني، وقيامه بتخريب التحالف الثلاثي، ثم إعلان عودته إلى خيمة الولاء والطاعة لدولة الولي الفقيه من جديد. وقد حصل.