على مدى الأيام القليلة الماضية , انهمكت وسائل الإعلام في نقل واعادة نقل وترويج تصريح السيد ” سيرغي لافروف ” وزير الخارجية الروسي الذي ذكر فيه : < لولا التدخل الجوي الروسي لكانت دمشق قد سقطت في غضون اسبوعين او ثلاث > .!من المؤسف أنّ وسائل الإعلام العالمية والأقليمية قد رددت تصريح لافروف هذا بشكلٍ ببغاوي ودونما تمحيصٍ او تقييمٍ او تحليلٍ ” عسكريّ ” , ولربما كان ذلك مقصوداً ولأكثرِ من هدفٍ وسبب .. التصريح الآنف الذكر للوزير الروسي يخلو من اية قيمةٍ عسكريةٍ على الإطلاق وهو يجافي الحقيقة بالمطلق , وأنّ ” لافروف ” يدرك ذلك كاملاً ! لكنه ادلى بتصريحه هذا بمهارةٍ وحرفيةٍ دبلوماسية , فهو استند اولاً أنّ القيادة السورية لا يمكنها تفنيد حديثه بالنظر للعلاقة المتميزة والفريدة بين دمشق وموسكو والتي لا تسمح بمثل ذلك على الإطلاق , واذ صار معروفاً ومكشوفاً ومنشوراً ” على الصعيد الأعلامي ” بأنّ التصريح الروسي قد كان توقيته قبيل اجتماع ” استانه ” وفي طياته رسائل باتت واضحة للعيان من أنّ الروس هم من يتحكّمون في ادارة الوضع العسكري – السياسي في سوريا وليس غيرهم سواءً من المتحالفين كأيران او من الأضداد كالسعودية وقطر وسواهم , والأكثر اهميةً فيه أنه موجّه الى ادارة ترامب وبكلّ تأكيد .
لكننا نرى في ” الإعلام ” أنّ ايَّ تصريحٍ لمسؤولٍ سياسيٍّ بمستوى لافروف او غيره , فينبغي أنْ لا يترك اية زاويةٍ من زوايا النظر إلاّ لتكون الصورة فيها موضوعية وتخلو من اي ضبابيةٍ تعيق المشاهدة وبُعد النظر , وما نذكره هنا والذي هو صلب الوضوع : فأنّ دمشق لم تكن لتسقط اطلاقاً سواءً تدخّلتْ روسيا او لمْ تتدخّل , حيثُ أنّ المساعدة الجوية الروسية البالغة في فكّ الحصار عن محافظة حلب قد لعبت دورها بلا شك لكنّ الأكثر من ذلك هو حجم ونوعية ” القوى او القوات ” التي دعمت الجبش السوري على الأرض , لكنّ الأهمَّ من ذلك بكثيرٍ وكثير , أنّ القوات السورية التي كانت تقاتل في ” حلب ” وفي المناطق الأخرى التي تحتلها المعارضة السورية , فأنها الجزء اليسير والأقل والأصغر من مجموع عموم القوات السورية النظامية ” وهذا ما استفادت منه ميليشيات قوى المعارضة السورية ” , فمدينة حلب التي شغلت معركتها ارجاء المنطقة , فهي بعيدة لأكثر من 350 كم عن العاصمة دمشق ولا تؤثر تعبوياً او ستراتيجياً على مركز النظام في دمشق وريفها , وبلا شكّ فأنّ مركز الثقل للقوات السورية موجّه نحو غرب العاصمة لمواجهة اية احتمالاتٍ لهجومٍ اسرائيلي من الجولان والتي تبعد نحو30 كم عن دمشق , وهذا هو الأحتياط الستراتيجي والسوقي للجيش السوري , ثمّ وكما معروف فأنّ دمشق محاطة من اغلب جوانبها بسلسلة جبال ” قاسيون ” والتي تتمركز فيها كتائب مدفعية الجيش السوري والتي تجعل اية قوةٍ تحاول التقدم من فصائل المعارضة بحكم الساقطة عسكرياً , بالأضافة الى الفرق المدرعة السورية التي تتولى حماية العاصمة من مسافاتٍ تتجاوز ال 200 كم , ودونما تطرّقٍ لكتائب الصواريخ والقوة الجوية , فكيف يمكن ان تسقط دمشق المحصنة ذاتياً .! ولو كان هنالك ايّ أملٍ افتراضيٍ لذلك , لما تشبثت فصائل المعارضة داخل حلب وابنيتها الشاهقة ولا تمركزت على ” دير الزور ” الحدودية , وأنّ لافروف والجنرالات الروس على دراية مطلقة بذلك .
لكنّ المثير أنّ وسائل الإعلام الخليجية وخصوصاً السعودية والقطرية لمْ تعلّق على تصريح الوزير الروسي , واضطرت للإلتزام جانب الصمت , حيث بعكسه فأنها سوف تشيد بمناعة وصلابة الوضع العسكري والأمني لسوريا .!