7 أبريل، 2024 7:39 ص
Search
Close this search box.

خلافات رفاق الأمس في العراق!

Facebook
Twitter
LinkedIn

يشير الواقع السياسي العراقي بعد العام 2003 أن مجمل التكتلات السياسية بنيت أو تشكلت بموجب قواعد تستند على الطائفية الدينية، وتتعكز على القومية، وبعضها يستند على العلمانية والمدنية والديمقراطية، وكل ذلك من أجل الوصول إلى سدة الحكم!

والكتل المذهبية الدينية هي الكيانات الأبرز التي حاولت، وما تزال، الركون على الجانب المذهبي والعقائدي لبقائها في الحكم، وربطوا وجودهم بهذا الجانب العقائدي المذهبي الضيق، ولم يتعاملوا بالفكر الجامع رغم استحواذهم على السلطة التنفيذية التي يفترض أن تكون لكل العراقيين من كافة الأعراق والأديان والمذاهب والكيانات.

والسبب الأكبر لهذا التخندق المذهبي أن غالبية القوى التي جاءت مع المحتل الأمريكي في غالبيتها العظمى هي قوى دينية، ومنظمة على شكل أحزاب وكيانات مدنية وعسكرية، وتدعي أنها تمثل المكون الأكثر عددا لهذا حاولت الاستمرار بهذا الشكل حتى بعد تنظيم أول انتخابات برلمانية في العراق في العام 2005 لتحقيق أهدافها الحزبية والشخصية.

والتحالف الوطني العراقي هو كيان سياسي قائم على المصالح السياسية وإن ألبس ثوبا مذهبيا دينيا، وكان يضم الغالبية العظمى من القوى القريبة والصديقة من إيران، والمشاركة بدرجات وثقل متفاوت في العملية السياسية، ويقال بأن أول من دعا لترتيب التحالف هو زعيم الائتلاف العراقي الموحد أحمد الجلبي في منتصف العام 2004، والغاية منه توحيد وترتيب الجهود السياسية لتلك القوى الدينية وغير الدينية للمشاركة في العملية السياسية، ويكون القرار جماعيا بين تلك القوى!

وفعلا شاركت هذه القوى بصورة موحدة في الانتخابات البرلمانية في بداية العام 2005، وقد حصل حزب الدعوة الإسلامية على رئاسة الوزراء.

وقد تعرض التحالف الوطني للعديد من الأزمات الداخلية رغم كل المحاولات الهادفة لظهوره بصورة متماسكة إلا أن الخلل كان واضحا في مجمل تركيبته، ومع ذلك لم تظهر تلك الخلافات بشكل بارز في المراحل الأولى من التغيير المعقد في العراق ويبدو أن الأقوياء المسيطرين على القرار، والمال السياسي المباح جعلوا الفرقاء يظهرون بمظهر المتكاتف المتلاحم!

ومع ذلك بدأت ملامح الضعف والعجز تظهر على أركان التحالف الوطني، وسبق أن كتبت مقالا في 3/10/2016 بصحيفة الغد الأردني الغراء تحت عنوان ” محاولات لإنقاذ التحالف الوطني، ذكرت فيه ” منذ بداية شهر أيلول (سبتمبر) الماضي (2016)، نتابع التطورات السياسية داخل صفوف التحالف الوطني، الذي يبدو أنه عازم على إعادة ترتيب أوراقه بعد أن بعثرتها الإدارة السيئة للبلاد، والتناحر الحزبي بين غالبية أطرافه؛ لإنقاذ كيانه قبل فوات الأوان.

وأول هذه التطورات كان تغيير دفة القيادة؛ إذ انتخب قادة التحالف الوطني، بالإجماع، عمار الحكيم زعيماً للتحالف، خلفاً للرئيس السابق ووزير الخارجية الحالي إبراهيم الجعفري.

‫والتحالف الوطني قوة سياسية لها ثقلها البرلماني، ويضم العديد من الكتل البارزة، منها: “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي (105 مقاعد)، و”التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر (34 مقعداً)، و”المجلس الأعلى الإسلامي” بزعامة عمار الحكيم (29 مقعداً)، وغيرها من القوى. ويشكل التحالف الوطني غالبية أعضاء البرلمان، بواقع 180 مقعداً من مجموع 328 مقعداً” انتهى.‎

وبعد مرور أربع سنوات تقريبا برزت الخلافات بين تلك القوى ذات اللون المذهبي المتناسق إلى السطح وبالذات بعد مظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وما تلاها من اتهامات متبادلة بين تلك القوى وخصوصا بأن الغالبية العظمى من ضحايا القتل والإصابات في المظاهرات هم من شباب جنوبي العراق!

ولكن يبدو أن الحالة اليوم بعد انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2021 تعقدت أكثر، وجميع محاولات التغطية على التناحر لم تعد مجزية لتغطية الخلافات القائمة الآن بين مكونات التحالف الوطني!

وأبرز الخلافات ظهرت بالذات بين التيار الصدري، والإطار التنسيقي برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والإطار كيان سياسي تشكل قبل عدة أشهر من مرحلة الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أكتوبر 2021، ويضم الإطار بالإضافة الى المالكي، منظمة بدر، بقيادة هادي العامري، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، وبقية قوى التحالف الوطني السابق الفائزة والخاسرة في الانتخابات الأخيرة.

وجوهر الخلافات بين قوى التحالف الوطني اليوم تقوم في المحافل السياسية والعسكرية (المليشياوية) والقانونية!

ففي الجانب السياسي يتمثل الخلاف في شكل الحكومة العراقية، حيث إن التيار الصدري يريد حكومة أغلبية وطنية فيما يرد الإطار التنسيقي حكومة توافقية بعيدا عن استحقاقات القوى الفائزة في الانتخابات الأخيرة.

وبرزت الخلافات العسكرية (المليشياوية) في التهديدات للحكومة وهيبة الدولة من جهة والاغتيالات من جهة أخرى بين القوى المالكة للسلاح والرجال، وظهرت بشكل علني بداية شباط/ فبراير الحالي في محافظة ميسان الجنوبية وقد تمثلت باغتيالات متبادلة بين التيار الصدري وعصائب أهل الحق والتي كانت في يوم ما جزءا من جيش المهدي التابع للصدر!

وحاول الفريقان، الصدري والعصائب، احتواء المواقف، وشكلا لجنة مشتركة اتفقت يوم 11/2/2022 على تهدئة التوتر الأمني وتم الاتفاق على إدانة واستنكار جميع أعمال القتل في محافظة ميسان، والاتفاق على” دعم ومساندة القضاء والأجهزة الأمنية من أجل أخذ الدور في فرض القانون والحد من الجريمة”!

أما الخلافات القانونية فقد استخدم الإطار التنسيقي نفوذه في المحكمة الاتحادية لتمزيق التحالف الصدري – الكردي – تحالف السيادة (بزعامة خميس الخنجر وعضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي).

وفي ذات الملف قررت المحكمة الاتحادية يوم 23/2/2022 تأجيل البت بدعوى إعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية إلى الأول من مطلع الشهر المقبل!

وهذا يعني تخدير مجمل العملية السياسية، بتنسيق من الإطار التنسيقي، لحين عمل الإطار لتنسيق جهوده لضم أكبر عدد ممكن من النواب المستقلين وغيرهم في صفوفه لتقوية موقفه في مواجهة التيار الصدري في داخل البرلمان وخارجه!

هذه الخلافات أكدت وجود انفصام جوهري بين القوى التي كانت في يوم ما تقول بأنها موحدة، وكل المعطيات تؤكد انتهاء شهر العسل بين قوى التحالف الوطني الكبرى، وربما سنكون أمام مرحلة الاتهامات المتبادلة القائمة على الأدلة الثبوتية من جميع الأطراف ضد بعضها البعض!

وفي ضوء جميع ما تقدم، تبقى هنالك جملة من التساؤلات، منها:

– هل سينجح الإطار التنسيقي في ضرب التيار الصدري عبر نفوذه القانوني والمؤسساتي؟

– وهل سيبقى الإطار متماسكا أمام الإصرار الصدري بضرورة استبعاد المالكي من الحكومة المقبلة في حال التحالف بينهما؟

– وهل سيقدمون مصلحة العراق على مصلحة المذهب ويتفقون على تشكيل حكومة وحدة وطنية بعيدة عن الأطر الطائفية؟

– وهل التحالف الوطني اليوم يتمثل بالإطار التنسيقي والصدر شذّ عنه أم أن العكس هو الصحيح؟

– ثم هل الإطار التنسيقي هو تجمع مرحلي أم سيكون بديلا عن التحالف الوطني السابق؟

– وهل خلافات رفاق الأمس ستعتمد على النغمة الطائفية أم ستقفز على هذه الآفة القاتلة سياسيا ومجتمعياً، وتكون النغمة وطنية جامعة؟

– ثم هل حققت المؤسسات الدينية أحلام وطموحات المواطنين الذين ينتمون لطائفتهم قبل تحقيق آمال وطموحات عموم العراقيين؟

خلاصة القول إن هذه الخلافات جعلت العراق على كف عفريت، ولا أحد يمكنه التكهن بالمآلات المظلمة المتوقعة والمرتقبة لتلك الخلافات السياسية والتناحرات المليشياوية – المليشياوية ليس فقط على مستوى العراق وحسب بل على مستوى المنطقة والعالم!

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة
من ذكريات معركة الفلوجة الاولى
– مايو 04, 2012
صورة
«لقد واجهت قواتنا أسبوعا قاسياً.. وأنا أصلي كل يوم من أجل أن تتراجع الخسائر.. لقد ملأت أرقام الموتى قلبي بالعذاب»؛ بهذه الكلمات تذكر الرئيس الأمريكي الابن، المطلوب للانتربول بسبب جرائمه في العراق، (جورج دبليو بوش) خسائر فلوله المندحرة في معركة الفلوجة الأولى. والمعركة، التي باتت تعرف باسم معركة الفلوجة الأولى، واستمرت لأكثر من (35) يوماً، حيث بدأت فجر يوم 4 نيسان/ أبريل 2004، وانتهت في 1 مايس/ مايو 2004، بخسارة أمريكية واضحة أمام الصمود الخرافي لأهالي الفلوجة، ومن ورائهم كل الشعب العراقي، هذه المعركة حدثت بعد أن قُتل أربعة من قوات المرتزقة من شركة (بلاك وتر) الاجرامية الأمريكية في مدينة الفلوجة، وذلك تعبيراً عن الرفض الشعبي لاستهتار القوات الامريكية ومرتزقتها، واستخفافها بأرواح العراقيين. الإعلامي (أحمد منصور)، قال في كتابه: معركة الفلوجة.. هزيمة أمريكا في العراق»، الذي سطر فيه ذكرياته في المدينة، أثناء تلك المعركة التاريخية، حينما كان يعمل مراسلاً لقناة الجزيرة القطرية، إن: «الفلوجة دخلت السجل العسكري الأمريكي )على أنها رمز للمقاومة.. وأنها المدينة التي هزمت الجيش الأم
قراءة المزيد
“إرهابي” يحلم بزيارة قبر أمه
– أكتوبر 10, 2010
صورة
بعد عام 2003، تغير المشهد العراقي، رأساً على عقب، وانقلبت الموازيين واختلت بوصلة الحياة: خراب عم البلاد من طائرات ألقت سمومها، وأحقادها على أجساد شعبنا الأعزل، ولم يسلم من تلك القنابل لا الأحياء، ولا حتى الأموات في مقابرهم، وانهارت حياة العراقيين بسبب طائرات الحقد “الديمقراطي”. وبعيدا عن السياسة وهمومها، وتناقضاتها، وكذبها، وزيفها، بل وحتى صدقها عند القلة القليلة من الساسة، تأخذك أحيانا أحلام اليقظة إلى الماضي القريب الجميل؛ لترسم بسمة يتيمة على شفاهنا التي هجرت الابتسامة منذ سنوات، هناك في بلدي الحبيب العراق حيث أهلي، وأحبتي، وأجمل أيام حياتي، والتي أرغمنا على هجرها، ولم نعد نراها إلا من خلال شاشات التلفاز، أو الانترنيت، في زمن يدعي أهله الحضارة والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، بل وحتى احترام حقوق الحيوان. كل هذه الذكريات اغتالتها رصاصة الاحتلال الأمريكي – البريطاني الذي جاء مبشراً بحياة رغيدة، وحرية فريدة، وحريات لا مثيل لها في الشرق الأوسط، وكانت المحصلة أن هذا الاحتلال قد دمر العمران، والبنى التحتية والفوقية، وقتل الملايين، وتسبب في إعاقة الملايين،
قراءة المزيد
الدولة العراقيّة والصراعات العشائريّة!
– سبتمبر 16, 2021
صورة
تطوّرت الحياة الإنسانيّة من الفرديّة إلى المفهوم الجماعيّ التكامليّ المؤسّساتيّ، حيث بدأت حياة الإنسان بكيانات بسيطة تمثّلت بالزواج، ثمّ تطوّرت إلى عائلة، ثمّ تنامت لتصبح عائلة كبيرة أو عشيرة. وتختلف الأعراف العشائريّة في مجتمعاتنا الإنسانيّة من حيث دورها في الحياة العامّة ومدى التزام أفرادها بعاداتها وتقاليدها بين بلد وآخر. ويضعف دور العشيرة في المجتمعات التي يقوى فيها القانون، ويتغوّل دورها في الدول الفاقدة للسيادة الداخليّة، التي تتحاشى تطبيق القانون على الجميع! والعراق من الدول المعروفة بالدور البارز للعشائر في مختلف المجالات السياسيّة والإنسانيّة وغيرها. وتمتاز غالبيّة العشائر العراقيّة بالتنوّع المذهبي، وهنالك في العشيرة الواحدة سنة وشيعة، وهذا لم يكن عائقا لدى العشائر التي امتاز شيوخها بالحكمة والوفاء للوطن وقضايا المواطن. ومع تنامي التغذية الفكرية السلبيّة ازدادت في العراق، مع الأسف، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية المشاكل العشائريّة، وبالذات مع دخول بعض أفراد العشائر على خطّ القوى الإرهابيّة، أو المتلحّفة بالقانون والمناصب الرسميّة، وصاروا يسيئون لسمعة الوطن والعش
قراءة المزيد
‏يتم التشغيل بواسطة Blogger
صور المظاهر بواسطة Galeries

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب