23 ديسمبر، 2024 8:58 ص

خفايا اخطر مشروع في الشرق الأوسط:( ربيع ) الطائفية…محنة المقاومة !!

خفايا اخطر مشروع في الشرق الأوسط:( ربيع ) الطائفية…محنة المقاومة !!

في القرن الماضي  رغم كل نكسات العرب في صراعهم مع الإسرائيليين  إلا إن القضية الفلسطينية استطاعت ان توحد العرب والمسلمين بكل أحزابهم وتياراتهم السياسية  ضد عدو واحد مشترك….  فعبد الناصر كان أول من ناصر آيات الله بعد إحداث الثورة البيضاء في إيران في الستينات وقدم لقادتهم الدعم والتأييد والتدريب … واحتضنت(أذاعه صوت العرب من القاهرة)  أول صوت ينادي بحق الأكراد الإنساني والقومي… بينما شهدت دمشق بقياده حافظ الأسد القومي  منتصف السبعينات ولادة حزب( الاتحاد الوطني الكردستاني) بزعامة الطالباني الذي كان صديقا لشاعر العرب الكبير  ألجواهري الذي أبدع في وصف حلم  كردستان  مثله مثل محمود درويش والشيوعيين العراقيين وغيرهم  وكان صديقا لناصر والسادات ومبارك…
 لازال التاريخ القريب مرتعشا كلما تذكر جيلا من قاده المقاومة وفي مقدمتهم بعض مؤسسي حركة القوميين العرب المسيحيين من أمثال جورج حبش ووديع حداد الذي اغتيل بالسم عام 1978 الذي دسه له عملاء الموساد قبل عام من ذلك التاريخ في  علبه شكولاته سويسريه حملها له  احد أصدقائه الفلسطينيين في منزله المقابل لملهى( الطاحونة الحمراء) في بغداد…. هؤلاء القاده  مثلوا جيلا كاملا من المناضلين الأمميين الذي رأوا في العنف الثوري طريقاً للتحرر من الرأسمالية والاستعمار. وكان حداد  ملهماً لحركات سياسية كثيرة اعتنقت مبادئ العنف الثوري في مواجهة الاستبداد وعنف السلطات، هؤلاء كانوا يعرفون ما هو الفارق النوعي بين العنف والإرهاب أمثال كارلوس ومحمد بودية وكمال خيربك وفؤاد عوض وباسل كبيسي وجايل العرجا وأنيس النقاش وفايز جابر وغيرهم كثيرون جداً. وامتدت علاقاته من اليابان الى أميركا اللاتينية، من «الجيش الأحمر الياباني» الى «الساندينيستا» في نيكاراغوا، حتى ان جلال الطالباني، الرئيس العراقي الحالي الذي يرقد على فراش المرض، كان أحد رجاله، وكان له مكان آمن في شاتيلا، وكثيراً ما كلفه جمع معلومات في أوروبا، او إيصال رسائل الى خلاياه المنتشرة في عدد من أصقاع العالم.
    كانت فصائل المقاتلين الفلسطينيين  خليطا من كل الجنسيات العربية والمسلمة والأجنبية الذين حملوا( الكلاشنكوف) رمزا للمقاومة و سعوا نحو الشهادة وتحرير التراب المقدس وتوشح جثامينهم علم فلسطين دون ان يجرؤ احد على السوال حينها عن قوميتهم وطائفتهم او دينهم …. بينما تحرق جثث المقاتلين  العرب اليوم  في القصير ومدن العراق وطرابلس بنيران الطائفية البغيضة وتنسف المساجد والكنائس والحسينيات من قبل انتحاريين مغرر بهم يهتفون باسم الله قبل الإقدام على  ضغط ناسف المتفجرات  حول  صدورهم المليئة بالغل. 

ما الذي حصل اليوم لتتشظى القضية الوطنية  و يتبدل الصراع العربي  واتجاهاته وينقلب رأسا على عقب ويستبدل القائد والشعار الوطني بقائد الميليشيا والتكفير الطائفي  ويتدفق مقاتلون انتحار يون مدججون بالحقد التاريخي الاعمى  ليعبروا الحدود وينخرطوا في صراع ظاهره طائفي وباطنه وحش اكبر من ذلك يبشر بحرب طائفيه لا تبقي ولا تذر بصوره أكثر دمويه مما حصل في عصور غابرة  تعيد رسم الخرائط وتقسيم ألدوله القطرية المجزئة التي طالما بشرت بأنها تسعى نحو المشروع الوحدوي ورفض سايكس بيكو بينما الأراضي العربية المحتلة لا تبعد سوى كيلومترات قليله عن هؤلاء المقاتلين   الذين لم  يترددوا عن الركوع شكرا لله  حين أصابت طائرات تحمل نجمه داود أرضا عربيه مقدسه عبر التاريخ ؟؟؟
 
في التساؤل الاول يستدرج عفويا  سقوط الايدولوجيا في جدليه تثير أكثر من علامة استفهام محيره  فحزب البعث العربي الاشتراكي  الذي أسسه ميشيل عفلق عام 1947  يلعب اليوم دورين مختلفين تماما في ساحة صراع دموي مترابطة مصيريا  في  بلدين عربيين تناوبا زعامة العالم العربي والإسلامي قبل قرون طويلة وهما العراق وسوريا المتشابهين في تركيبتهما الاثنية والطائفية إلى حد بعيد وهما قلب هذا العالم ا… فهل لا نشعر بالخوف حين يختل  نبض هذا القلب ؟؟؟؟ ….  في العراق تحول الحزب القومي، الذي حكم بالعنف والقمع  بلاد الرافدين على مدى 35 عاما وانهار كقلعه رمل في مواجهة عواصف القطب الأوحد، الى مجرد  ميليشيا طائفيه إرهابيه متصاهرة مع القاعدة وتيار السلفية الجهادية  وأجهزه مخابرات دول عربيه غالبا ما نعتها قاده البعث  سابقا (بالرجعية والعمالة للامبريالية) ضد الحكومة المنتخبة عبر آليات ديمقراطيه رغم كل المأخذ عليها  دافعين البلاد الى حرب طائفيه لا يمكن إلا ان تقود الى التقسيم او الحرب حسب لغة احد النواب العراقيين الذي يحلو له التلويح بالكلاشنكوف بدلا عن الدستور!!
…. بينما نظام الأسد  في الشام الذي احتضن سابقا حماس والجهاد الفلسطينيتين و المجاهدين العرب  في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 ضد ما وصف بحكم ألشيعه والأكراد الموالي لأمريكا يتصارع منذ عامين ضدهم بعد ان انقلبوا عليه بدعوى انه علوي مثلما يتهم المالكي بانه شيعي لكن سوريا لازالت صامده بوجه مشروع التقسيم او تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد بدعم من طهران وموسكو والصين وشيعه لبنان والعراق وفصائل فلسطينيه  في مواجهة موجه أخرى من المقاتلين تدعمهم  تركيا وباقي العالم السني ونفس مقاتلي القاعدة الذين كان يدفع بهم الأسد  سابقا عبر حدوده المترامية باتجاه العراق حتى سقوط إمطار الربيع العربي على دمشق…….  بانوراما محيره من انقلاب الو لاءات والتحالفات والنكوص التاريخي وتقهقر شعوب وإرادات تشبه الكابوس او الأحجية!

 ان ما يحصل اليوم من صراع سني –شيعي ….وإسلامي –قبطي…  وعربي –كردي وربما قريبا امازيغي – عربي  ناجم  الى حد بعيد عن طبيعة ألتركيبه الاثنيه داخل الدول التي نشأت بعد انهيار ألدوله العثمانية التي جمعها المساحون البريطانيون والفرنسيون  في دول شرق أوسطيه على غرار ما فعلوه في البلقان بعد انهيار الإمبراطورية النمساوية الهنغارية…. ان اندلاع الصراع الطائفي العابر للحدود في قلب العالم العربي  يمثل فرصه هامه للتوقف والتأمل في دور الدين والطائفة الذي ما كان مقدر له الصعود على المسرح السياسي في الشرق الأوسط بهذا الثقل لولا  فشل القوى السياسية التي حكمت هذه الدول على مدى  أكثر من ستة عقود وفشلت في بناء ألدوله الوطنية والهوية الموحدة ونظرت الى بعض مواطنيها الأصليين كأقليات  أي مواطنين درجه ثانيه  وجعلت من صراعها مع إسرائيل الذي كان مصفوفة هزائم وانتكاسات عسكريه متلاحقة  مبررا لقمع المعارضة ورفض خيار الديمقراطية ما دام ( لأصوت يعلو فوق صوت المعركة )..

 في مقابل ذلك تنجح ميليشيا لبنانيه مسلحة قليله العدد  مدعومة من دمشق وطهران في تحقيق هزيمة عسكريه بإسرائيل في 25 ايار 2000 وفي تموز 2006 أحرجت النظام السياسي العربي برمته  ويراد لها التورط اليوم  في دنس الصراع الطائفي في سوريا لتحويلها من مقاومه وطنيه الى مجرد ميليشيا شيعيه فقط  لكنها ترفض ذلك وتميز بين الثوابت والمتغيرات.
..
 ومع تحذيرنا من مغبة خلط الأوراق  بشان هويه القوى التي تتصارع في سوريا فان المشروع الطائفي  هو ابعد ما يكون عن الإيمان او الغيبية وهو ليس مخبأ اليوم تحت الصراع السياسي  ولا في داخله فقط  بل هو فوقه تماما يقوده ويظلله  مبشرا بتغيرات لا في الهوية السياسية فقط بل في بنيه ألدوله والتعايش المذهبي  رغم ان مشروع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 التي وصفها احد ابرز قاده ومفكري حزب الدعوة الشهيد السبيتي بأنها(بدأت إسلاميه لا مذهبيه وانتهت قوميه) او مشروع الإخوان المسلمين كانت تطرح بدائل عن الماركسية والقومية ذات تصورات تتعلق بالكرامة والحرية والعدالة دون تصور واضح عن شكل ألدوله الإسلامية البديلة وتحدياتها   قبل ان تسقط هذه الحركة في شباك السلفية وفكر التكفير ألخوارجي  والإغراء الأمريكي بالسلطة وتحويل  واشنطن وحلفاءها  لورقه المجاهدين العرب منذ حرب أفغانستان حتى اليوم  الى جوكر رابح عبر التلاعب بهذه التيارات  كأصدقاء تارة  وأعداء تارة أخرى  حسب الطلب وقد كشفت إسرارها  تفاصيل الإحداث الدموية  الأخيرة في سوريا التي كان لها  ارتدادات زلزالية في  العراق …. لم يغب عن بال المراقبين إعلام الفتنه المسموم و عشرات الطائرات التي حملت ألاف المقاتلين ألمعصوبي الرؤية  المتعاطين لأفيون ألطائفه  من ليبيا وتونس والشيشان الى حدود تركيا او في داخل العراق  حطبا لهذه النار… فيما تمسك مرشد  الإخوان  في القاهرة بكل الاتفاقات مع ألدوله العبرية بمقدار تشبث هذا التيار بالسلطة في مصر لأول مره  وكان الرابح الوحيد من هذا الصراع تركيا وإسرائيل .

 فإذا كانت الثقافات العروبيه حسب تعبير ادونيس في أطروحته لنيل الدكتوراه قد أسست ( للمثقف العروبي العسكري) فان التيارات الدينية المتطرفة اليوم  سقطت في العمى الطائفي السياسي (للأمير الجهادي) الذي لم يكلف المشروع الأمريكي التوراتي كثيرا لينخرط  في حرب الطوائف بدلا من مشروع الديمقراطية الذي أصيب بالشلل واخرس ساركوزي صاحب مقوله الربيع العربي .. فدعاه هذا المشروع غير المؤمنين لا بالدولة القومية او الديمقراطية او والمشروع النهضوي  اسقطوا على حاضر عربي محتقن أصلا صراعات تاريخ عمره ثلاثة عشر قرنا  منذ استشهاد الخليفة عثمان بن عفان وصولا الى حركه الخوارج  مستعيدين كل الفواجع وقطع الرؤؤس وانحرافات التأويل والمذاهب والاجتهادات والفتاوى التي لم تخرج عن فكره ألخلافه والجهاد والقتل والحروب والتكفير والدماء التي صبغت المشهد وانعكست سلبا على مشروع ألدوله القطرية مهددين بتجزئتها من خلال صراع طائفي ينسف التعايش وينذر بتمزيق الخرائط بصوره اعنف مما حصل في يوغسلافيا سابقا.

هذا الصراع الذي كان مختبره الأول في العراق بعد عام 2003 أصبح عابرا للحدود العربية في الشام بل تورط فيه متطرفون إسلاميون  من أوروبا وباكستان وأفغانستان ودول أخرى دون ان يهز ضمير الغرب الحريص على الشفافية وحقوق الإنسان  أمام مشهد  فيلم يظهر عمليات قطع الرؤؤس وشق الصدور ومضغ القلوب مع هتاف (الله اكبر) الذي أصبح مرادفا للقتل وحرق جثث الأبرياء والإرهاب  بل ربما كان عرابي مشروع الشرق الأوسط الطائفي سعداء لذبح متطرفين أصوليين لجندي بريطاني وسط لندن مما يعزز ألصوره المشوهة عن الإسلام والعرب  ويبرر يهودية ألدوله العبرية  المحاطة بمتوحشين يأكلون قلوب يعظهم بعضا  وهو ما سيبرر التدخل العسكري الغربي  والتقسيم الطائفي!!!
 نعم  لا يحصل «التقسيم» نتيجة المؤامرات فقط بل غالباً ما يحصل نتيجة تفكّك يصيب التراكيب الاجتماعية ونسيج المجتمع الواحد المتعايش  الذي لم يعرف العدالة والمساواة والديمقراطية في ظل ألدوله القطرية التي ارتكزت على العنف والقهر والإقصاء وحكم ألطائفه الواحدة( وطن تشيده الجماجم والدم )!!! مثلما حصل بعد  انهيار الإمبراطورية السوفيتية وسقوط جدار برلين في شرق أوروبا …  دوله الحزب الواحد في الشرق الأوسط التي من رحمها نما العنف  السياسي ارتكبت مجازر بحق مواطنيها وصلت الى عمليات الإبادة والمقابر الجماعية والقهر وكلها فواتير كانت مؤجله الدفع…. في الماضي كان ألشيعه في الشرق الأوسط يشعرون أنهم مهمشون او مواطنون درجه ثانيه و اليوم بعض إخوانهم العرب ألسنه يطالبون بنفس ما رفعه ألشيعه من مظلوميه تاريخيه رغم اختلاف وسائل ورسائل ألمطالبه بالاستحقاقات المشروعة …  بينما حقوق الغالبية الشيعية في البحرين وغيرها  منسيه في شريط وكالات الإنباء… والملايين من العرب المصدومين من العنف الدموي الطائفي  في دول أخرى باتوا يترحمون على الدكتاتوريات ويكفرون بالديمقراطية… فيما تشعر الأنظمة الوراثية في الشرق الأوسط الممولة للعنف والمدعومة من القطب الأوحد  أنها أمست بأمان فلا احد من مواطنيها سيطالب بالديمقراطية بل مجرد  إنقاذ نفسه وأسرته مما لحق بالعراق وسوريا من ويلات وتهجير وقتل  وتشرد ولو بقي ظل العروش اكبر من ظل العدالة.
  
 يقول الكاتب حازم صاغيه في مقال له  (إذا كان الاستعمار هو القادر على صنع هذه الأحداث والتطوّرات كلّها، لم يبقَ لنا إلاّ أن نسجد أمامه ونسبّح بحمده الربّاني والخارق؟ ) ولكن هل ننسى كيف تخلى الغرب عن وعود ألدوله العربية  الكبرى للشريف حسين و خلقوا مشكله الأكراد لأربع دول هامه بعد ان  تنصلوا عن كل وعودهم للأكراد في معاهده ( سيفر) الموزعين على هذه الدول وهم القومية الوحيدة  في العالم بلا دوله رغم انهم 60 مليون نسمه بينما شن الناتو عام 1999 حربا طاحنه من اجل  مليون الباني فقط في كوسوفو اعترف  بانفصالهم ثلثي دول العالم إرضاء لواشنطن … وكيف انتصروا لإسرائيل ضد حق العرب والشعب الفلسطيني… ومن دعم حكم الجنرالات العرب على مدى عقود طويلة فيما أصبحوا اليوم يرعون المؤتمرات ضدهم باعتبارهم( أصدقاء لسوريا)  ؟؟؟
 ان القضية الأكثر خطورة هنا ان الكثيرين أصبحوا مجبرين على دعم انظمه دكتاتوريه تواجه تكفيريين طائفيين لا حبا بهذه الأنظمة  او جريا وراء تعصب طائفي  إنما لإنقاذ المنطقة من مشروع تقسيمي أكثر خطورة ينذر بحرب لم نعرفها  في عنفوان سعار الخوارج والقرامطة في قرون غابرة. قد لا نستوعب هذا التناقض في انعطافه خطيرة ومصيريه . ربما لا ننا نعشق التاريخ ونعيش في الماضي  أكثر من تفكيرنا بالمستقبل ونغازل  الموت ونقرنه بالبطولة  أكثر من حبنا للحياة والسلام  وأحلام الناس البسطاء…!!!