الارهاب الذي يسود حياتنا هذه الايام، مهد له ارهاب آخر، فبعد الاحتلال الامريكي – الايراني، خرج الارهابيون يشيعون اكبر قدر من الخوف على ساحة الفكر وفي ميدان الادب ودوائر الفن. تصور نظام سياسي ساذج ومتخلف، انه يمكنه الاستعانة بالارهابيين حتى يعضد نظام حكمه.
لبس النظام (عمامة) وأمسك (سبحة) وردد بعض الايات الكريمة بلغة ركيكة، في الوقت الذي كان ينهب فيه الوطن ويفرط في حقوقه.
ترك النظام (الحكومة) هذه الجماعات تنمو بشكل سرطاني، منحها كل شيء، مقاعد في هيئات تدريس الجامعة، مناصب في الاعلام، وجوداً على ساحة الثقافة. والاهم من ذلك كله انه منحها الشارع تفعل فيه ما تشاء، تصوغ عقول الناس بالطريقة التي تتمشى مع فكرها، زرعت في عقولهم اشياء خبيثة، عادت بنا الى ما قبل العصور الوسطى.
وضعت هذه الجماعات في عقل الناس البسطاء قيماً معادية للتقدم ومشروع النهضة، قالت لهم ان التعليم حرام اذا لم يحشى بفكر احد (الثيران المعممة)، وخروج الفتاة للذهاب الى الجامعة لتحصيل العلم رجس من عمل الشيطان..
كان هذا الهدم في أسس المجتمع العراقي الحديث يتم تحت نظر وسمع النظام (الحكومة) الذي كان يهمه تدمير هؤلاء وبطشهم طالما انهم في غفلة عنه ويتركون له نهب البلد في أمن وسلام ودون تعكير للسلم الاجتماعي والأمن السياسي واخلاق المجتمع ، تلك الشعارات الكاذبة التي كان يرفعها لخداع البسطاء حتى يتمكن من نهبهم وتقويض احلامهم في التقدم نحو الرقي، ترك النظام هذه الخلايا الارهابية تنمو بل دعمها دعماً متواصلاً خصوصاً في مجالات التعليم والجامعات والاعلام والثقافة.
وقد تعرض المثقفون لحملات ارهابية من تلك التنظيمات، فقد سبق عنف الكواتم عنف آخر مهد له على ساحات الفكر والابداع، كان الهدف منه تمهيد الارض لما يحدث ويتم حالياً.
لقد تمكنت هذه الجماعات المعادية للرقي والمعادية لأي دين من اشاعة جو من الخوف في صفوف الحياة الفكرية والحياة الثقافية، تصدت للمفكرين بشكل عنيف فكل من يقول او ينطق حرفاً لا ترضى عنه تسلط عليه رجالها من الصحافة ووسائل الاعلام لا للحوار ما يطرحه وانما للتشهير به، والطعن في دينه والتنديد بفكره والتعريض بحياته الشخصية.
ان عقولنا تتعرض ولازالت لحملات ضارية تلعنها وتسبها، لا لشيء سوى اصرارنا على التمسك بمنهج العقل. ان عقولنا هذه مصرة على الاحتفاظ برأسها، عاملاً ومفكراً وهذا الموقف يثير جماعات الظلام فتسبنا علناً دون مراعاة الادب او الالتزام بقواعد الاخلاق.
وتنهال رصاصات الكواتم علينا دون شفقة او رحمة تنهش عظمنا وتتحكم علينا وتشتمنا، ولا يصفوننا الا بالعلمانيين والملحدين… بسبب اصرارنا الشديد على ان يكون العقل اداة المعرفة.
وليس امثالنا فقط من يتعرض لطغيان هؤلاء (السفلة) المعادين للحرية والتقدم والتحديث… وانما هناك العشرات من المفكرين تشن عليهم حملات ارهابية مقصدها تخويفهم حتى يتخلوا عن افكارهم وينظموا الى حلقات (اللطم) و (الدروشة) ويصبحوا اعضاء في مليشيات وخلايا التخلف.
لقد حاولت بعض هذه العقول النيرة، مناقشة افكار هذه الجماعات في كتبهم ومقالاتهم، فلم يجدوا استجابة على ذات المستوى كان من المفروض محاورتهم والدخول معهم في مناظرة فكرية حول انتقاداتهم وملاحظاتهم المدعومة بقراءات تاريخية وتحليلات موضوعية صائبة لم يحاورها احد ولم يناقشها عضو من هذه الجماعات وانما كل ما تتلقاه رسائل تهديد بالقتل وحملات تشهير تحل دماء اصحاب هذه العقول لانها خرجت على اجماعهم.
…. لانها طرحت التطورات الدينية الصحيحة، سحبت من هذه الخلايا الارضية التي يقفون عليها، كشفت بانهم لا يمثلون اي عقيدة، فأصول العقيدة تستند على قيم وعلى تاريخ ناصع اعطى للفكر حرية مطلقة، ونمت في ظلالها حضارة سامقة شعر فيها الانسان بالامن والأمان. محاولات العقول التحررية التحديثية وجدت لغة القتل للحوار معها…
هذه الخلايا التي تهدد وتطلق الرصاص في كل مكان نمت في حضن نظام (حكومة) فرط في عرض الوطن وثروته، هذا (السرطان) الذي خرج من مستنقع في رأينا لن يقضى عليه الا باجراءات تعيد صياغة الحياة من جديد، تنزع فتيل التخلف الذي منح هذه الاشباح الحياة وبث فيها الروح.
ان رصاص الأمن لن يقتل هذا السرطان وانما اجراءات تعيد دفع المجتمع نحو العلم والتحررية التحديثية والعدل الاجتماعي، ان القضاء على الفساد العام خطوة لمحاصرة الاجواء التي تفرخ العنف، ان انهاء القوانين المعادية لحريات الانسان خطوة اخرى على الطريق، ان التخلي عن منهج التبعية ومعانقة مشروع التحرر، اجراءات تعيدنا من جديد الى البداية الصحيحة.
لقد ساعد نظام متخلف ضد اماني مجتمعنا هذه الخلايا في الانتشار والنمو والذي سيقضي عليها نظام آخر يقف مع التقدم ويناصر حق الوطن ويؤمن بحق افراده في الحرية والمساواة.
[email protected]