10 أبريل، 2024 1:35 ص
Search
Close this search box.

خـصـخـصـة … أم هـيـــكلة ؟؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

(١)
رغم التفاوت في آراء الأقتصاديين بخصوص العوامل المؤثرة على النشاط الأقتصادي تزامناً مع تصنيف دول العالم بداية القرن العشرين الى دول صناعية متقدمة ودول إشتركية ، ودول أخرى نامية مع إختلاف الأنظمة الأقتصادية ما بين الرأسمالية والأشتراكية والأنظمة الشمولية ، والأنظمة ذات الأقتصاد المخطط وغيرها ، لكن الأغلبية كانت مع طروحات (آدم سميث) بخصوص إعتماد آليات السوق والقواعد الذاتية التي تتحكم بالأنشطة الأقتصادية ، والتي تمت تسميتها بـ(اليد الخفية) ، والتي من شأنها أن تتأثر مع أي تدخل خارجي وخصوصاً (التدخل الحكومي) في تلك الأنشطة مما يؤدي الى تخلخل تلك القواعد الحاكمة ، لتبقى هذه الآليات هي الكفيلة بالمحافظة على أو معالجة الأختلالات التي تحصل في تلك الأنظمة التي بدأت تتوجه بأتجاه السوق الحر . ولكن عجز هذه النظرية في تفسير الأحداث التي حصلت أعقاب الحرب العالمية الأولى وتحقق الكساد الأقتصادي العالمي عام (1929) ، قد دفع بأتجاه أرجحية النظرية (الكنزية) التي إستطاعت أن تقدم التفسير الوافي لكيفية معالجة الأوضاع ، والتي أيدت وجود تلك الآليات التي تتحكم بالأسواق ، ولكن أكدت عجزها في المعالجة الذاتية للأختلالات التي تحصل في الأنشطة الأقتصادية خلال فترات وجيزة ، وأنه لا بد من التدخل الحكومي في حال تعرض الأسواق الى التقلبات والإختلالات كوسيلة لأعادة التوازن ، في حال عدم الأعتماد على آليات السوق وقواعد اليد الخفية من أجل المعالجة الذاتية لأنها قد تستغرق أعواماً طويلة ، وقد تتعثر الكثير من المفاصل الأقتصادية خلال هذه الفترة وتتبعثر الأهداف . وأيدت هذه النظرية مفهوم التدخل الحكومي في الأنشطة الأقتصادية ، بل وشجعت على إعتماد معظم الدول التوجه نحو الأقتصاد المخطط ، وخصوصاً في أعقاب الحرب العالمية الثانية . لكن التطور الحاصل في التكنولوجيا والزيادة السكانية في دول العالم ، وتنوع وتعدد الخدمات المطلوبة تقديمها من الأدارات العامة وزيادة الطلب عليها نهاية السبعينات من القرن الماضي ، وضعت الأدارات العامة في حالة إختلال هيكلي وأوصلت الموازنات العامة الى حالات العجز ، ناهيك عن سوء جودة الخدمات وغلبة البيروقراطية وتفشي البطالة المقنعة التي أصابت مفاصل الأدارة العامة ، التي أكدت جميعها بضرورة التدخل لمعالجة هذه الأختلالات من أجل تصويب مسار النشاط الأقتصادي وخصوصاً في الجوانب التي تتعلق بمؤسسات القطاع العام . فكان لا بد من الخوض في تطبيق سياسات جديدة تحقق إستغلال الموارد بكفاءة ، وضرورة إعتماد برامج تحقق التحوّل الأقتصادي ، ولا بد من إتخاذ إجراءات تعيد النظر في توزيع أدوار القائمين بالنشاط الأقتصادي وتحقيق الأصلاح الأقتصادي .

وبوصولنا إلى نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي ، ومع تفاقم وضع المؤسسات المملوكة للدولة وضعف الأدارة العامة (تردّي في الكفاءة ، وأزدياد البطالة المقنعة ، وتفشي البيروقراطية وسوء الخدمات) ومعاناة الدولة من جراء صعوبة إدارة المؤسسات نتيجة الزيادة في المديونية وتحقق العجز في الموازنات وتفشي الفساد ، فقد توصل العديد من الدول ورغم إختلاف الأنظمة الأقتصادية المتبعة فيها الى قناعة تصويب المسار الأقتصادي (مثل بريطانيا وفرنسا اللتان تصنفان من الدول الصناعية المتقدمة ) وتبعتهما مجموعة من الدول النامية في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا (مثل تشيلي وماليزيا) ، حيث تبنت معظم هذه الدول جملة من الأجراءات وفق البرامج التي أعدتها ، والتي كانت تهدف بالدرجة الأساس إلى الأنسحاب التدريجي للدولة من قسم من الأنشطة الأقتصادية والخدمات العامة ، وتفعيل دور القطاع الخاص والأعتماد عليه ، إنطلاقاً من مبدأ بأن القطاع الخاص يمكنه تقديم بعض الخدمات العامة بدلاً من القطاع العام بشكل أفضل ، وأنه حان الوقت للأعتماد على آليات السوق التي يعود لها السبب في نجاح أداء القطاع الخاص . وكان الهدف المنشود والسائد في معظم هذه البرامج هو تخفيف العبء على الأدارة العامة من أجل تقليص مديونيتها ومعالجة العجز في الموازنة العامة ، وتخصيص الموارد والمبالغ التي يتم توفيرها من أجل تحسين وتوسيع الخدمات الأخرى (بجانب تحسين الكفاءة وتحقيق الجودة والقضاء على المظاهر السلبية التي تولدت في مؤسسات الأدارة العامة) .

من المؤكد أن السياسة الأقتصادية الجيدة في أية دولة ، تهدف الى تنظيم مجالين رئيسيين لإدارة الأستثمار العام ، الأول هو إدارة المؤسسات المملوكة للدولة ، والثاني هو إدارة الموارد الطبيعية (المال العام) . ولكن مع تفاقم المشاكل في الأدارات العامة ، ظهر التساؤل التالي ( هل أن الدولة ملزمة بتقديم جميع الخدمات العامة من خلال مؤسساتها ، أم أن هناك بدائل أفضل يمكن اللجوء إليها ؟ ) ، حيث يؤيد الكثيرون بأنه ربما بالأمكان تقديم أفضل الخدمات من قبل القطاع الخاص إذا ما تم تدعيمها بتشريعات قانونية ونظام ضريبي مع الأخذ بنظر الأعتبار مسألة التكاليف مقابل الفوائد المتحققة . ويؤيد معظم أنصار تيار الأقتصاد المتحرر والذين يؤمنون بالأحتكام الى آليات السوق ، بأن أداء معظم شركات القطاع الخاص أفضل من أداء المؤسسات العامة رغم تشابه المشاكل التي تواجه القطاعين . وقد توصل العديد من البلدان الى أن الخصخصة ضرورية لتصويب المسار الأقتصادي ، فقد تم أعتبار الخصخصة منذ الثمانينات الوسيلة الأفضل أو ربما الوحيدة لتحسين أداء المؤسسات العامة ، وهذا ما كانت تؤكد عليه الحكومات المانحة و البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي . وبعد الخبرات المتراكمة نتيجة العديد من التجارب (الناجحة منها أو الفاشلة) ينبغي أن نتساءل ، هل أن نظام الخصخصة هو المفتاح لحل المشاكل الأقتصادية ، وهل أن الخصخصة تمثل الحل الأمثل لتصويب المسار الأقتصادي ؟؟ أم أن هناك طريق ثالث ( حل وسطي ) ما بين الأدارة العامة والخصخصة ، يمكن أن يقودنا الى تحسين الكفاءة الأقتصادية ، وربما من خلال إصلاح المؤسسة المملوكة للدولة وتنظيم عملها ( الهيكلة ) ؟؟؟
يتبع ……

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب