12 أبريل، 2024 5:18 م
Search
Close this search box.

خـصـخـصـة … أم هـيـــكلة ؟؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

(٢)
تؤكد معظم تجارب الخصخصة التي تم تطبيقها في مختلف الدول أن آلية الخصخصة قد تمثل إحدى الحلول لتصويب المسار الأقتصادي ، ولكنها لا تمثل الحل السحري الوحيد ، لأسباب عديدة :-
أولاً) من دون شك ، هناك العديد من المؤسسات المملوكة للدولة التي قد تكون غير كفوءة ، وغير نشطة ، وربما مثقلة بالفساد ، ولكن لا يوجد دليل نظامي على أن نظام الأدارة العامة المتبع في المؤسسات المملوكة للدولة هو سبب الفشل . وقد تشكل المؤسسة العامة عبئاً على الأقتصاد ، ولكن مبررات وجود تلك المؤسسة قد تكون لدواعي ومتطلبات ضرورية ذات علاقة بأهداف ســيادية أو سياسية أو إجتماعية . وهذا ما يقودنا الى أن الأداء الرديء للمؤسسات المملوكة للدولة بحاجة إلى المزيد من النقاش والتحليل . وأن تقييم المؤسسة ضروري جداً قبل إتخاذ أي قرار بتصويب المسار الأقتصادي ، سواءاً بقيت المؤسسة تحت مظلة الأدارة العامة أو تم التوجه نحو خصخصتها . ولدينا العديد من التجارب الناجحة في بلدان العالم والتي حققت نجاحاً اقتصادياً من خلال العديد من المؤسسات التي بدأت كشركات مملوكة للدولة وفي مختلف القطاعات مثل الطاقة والأتصالات والنقل والصناعة مثل ( شركة طيران سنغافورة ، هيئة النقل في بومباي بالهند ، المصنع الإقليمي البرازيلي للطائرات النفاثة “إمبراير” ، شركة السيارات الفرنسية “رينو” ، شركة ” بوسكو” الكورية لصناعة الحديد والفولاذ ) . وبالمقابل هناك العديد من الدول التي تمتلك مؤسسات ضخمة مملوكة للدولة ولكنها لا تساهم إلا بجزء ضئيل من الناتج المحلي الأجمالي التي قد لاتصل الى (%10) مثل الأرجنتين والفلبين . وقد تشكل بعض المؤسسات هدراً كبيراً للموازنة العامة في الدولة (*) .

ثانياً) من الخطأ خصخصة المؤسسات الرابحة والتي تساهم في دعم الأقتصاد العام ، رغم أن الأستثمار في المؤسسات الرابحة أمر مؤكد النجاح فيها ، لأن القطاع الخاص يقبل على الأنشطة ذات الربح المضمون . ولكن خصخصتها تشكل هدراً في الأقتصاد العام ، بل أن إشراك القطاع الخاص في أرباح المؤسسة العامة الرابحة قد يفتح الباب على مصراعيه أمام الفساد .
ثالثاً) أكدت جميع تجارب الخصخصة الفاشلة بأن الخلل كان يكمن في التطبيق (التطبيق الخاطىء للآلية ، القرار الخاطىء ، أختيار الآليات والبرامج الخاطئة ، إختيار التوقيتات الخاطئة) وكان بالأمكان تلافي جميع هذه الأخطاء لو تحققت لدينا الدراسة الدقيقة والتقييم الصائب للمؤسسة قبل إتخاذ قرار الخصخصة .

رابعاً) من المؤكد أن الدولة ستركز على تطبيق الخصخصة في المؤسسات الخاسرة من أجل تخفيف العبأ على الموازنة العامة ، ولكن المؤسف أن القطاع الخاص سوف يتجنب الشراء أو المساهمة في المؤسسات الغير رابحة . ولكي تقوم الدولة بخلق الرغبة لدى القطاع الخاص للمساهمة في الخصخصة ، فمن الضروري أن تقوم بضخ إستثمارات جديدة أو إجراء الهيكلة قبل الخصخصة .

خامساً) تؤكد معظم التجارب الناجحة للخصخصة بأن إجراءات التهيئة في المؤسسة التي سبقت برامج الخصخصة كانت من أهم العوامل المساعدة لنجاح الخصخصة فيها ، وكلما كانت الأجراءات رصينة ودقيقة وتستند الى دراسات شفافة لواقع المؤسسة ، وتشخيص حقيقي للمفاصل السلبية فيها ، كلما كانت نتائج الخصخصة ناجحة وفعالة .

سادساً) إن كانت المؤسسات المملوكة للدولة قد فشلت في تقديم الأداء الجيد تحت مظلة الأدارة العامة وفي معظم البلدان ، نتيجة فشلها في إدارة وتطوير نفسها ، فهل أن هذه المؤسسات ستكون قادرة على تنفيذ خصخصة جيدة تؤدي الى تحسين الكفاءة ؟؟؟ لأن الأدارة العاجزة عن تشغيل المؤسسات المملوكة للدولة ، من المؤكد أنها ستكون عاجزة أيضاً عن تنفيذ الخصخصة بنجاح .

سابعاً) هناك حالات عديدة يتعذر فيها إجراء الخصخصة على مؤسسات الدولة ، والتي تكون التحديات القائمة سبباً في فشلها ، مما يتطلب اللجوء إلى بدائل الخصخصة مثل الأصلاحات التنظيمية والهيكلة .

لهذه الأسباب لا يمكن عرض جميع المؤسسات المملوكة للدولة الى الخصخصة ، وأن الخصخصة ليست هي الطريقة الوحيدة لتصويب المسار الأقتصادي ، ويجب أن تكون الخطوة الأولى في عملية التحوّل الأقتصادي هي (تقييم المؤسسة) ، وأن يتم التقييم وفق أسس ومعايير أقتصادية وعلمية دقيقة ، وإستناداً الى معلومات وبيانات حقيقية ودقيقة وشفافة ، ويجب أن يتم فرز هذه المؤسسات بموجب نسبة مساهمتها في الناتج المحلي ومدى تأثيرها على الموازنة العامة ومدى ثقلها على الأقتصاد العام . ثم يتم تحليل المعلومات والبيانات التي تم الحصول عليها من أجل أختيار الأجراء الصحيح ، (على أن تكون هذه المعلومات دقيقة وشفافة وتعكس واقع المؤسسة وتم جمعها بالأعتماد على أشخاص مختصين وجهات كفوءة) ، ثم يتم إتخاذ القرار الصائب ، وإختيار البرنامج الصحيح للتحول وتصويب المسار الأقتصادي ، وحسب الأهداف المطلوبة والتحديات القائمة والأساليب المتاحة . وبموجب القرار الصائب والأسلوب المحدد الذي تم إختياره ، يمكننا المباشرة بأجراءات تهيئة الأرضية ومعالجة المفاصل من أجل إنجاح البرنامج المطلوب ، وهي ما نسميها بـ(عملية الهيكلة) .

وبناءاً على ما تقدم ، نستنتج بأن الخصخصة تمثل أحدى الخيارات التي يمكن أن يلجأ إليها صناع القرار الذين يرغبون في تحسين أداء المؤسسات المملوكة للدولة ، وهذا ما أثبتته التجارب في معظم دول العالم . وأن من أهم أسباب نجاح الخصخصة هو مرونتها ، حيث أن خيار الخصخصة فيه العديد من الأساليب والطرق التي يمكن أن تكون مناسبة أو مثالية في هذه الدولة أو تلك ، أو في هذا القطاع أو تلك . ولكن …. هنالك العديد من الطرق لتحسين أداء المؤسسات المملوكة للدولة دون اللجوء إلى الخصخصة بالأعتماد على الأصلاحات التنظيمية والهيكلية ومعالجة الأختلالات وخلق المنافسة وغيرها . لذا ينبغي دراسة وتقييم المؤسسة وتحليل البيانات وتحديد أهداف التحول ودوافعها ، ومراجعة المحددات والتحديات قبل إقرار الطريقة مع الأستفادة من تجارب الآخرين ، وأن تقييم المؤسسة وفرزها وتهيئتها وهيكلتها أمر ضروري سواء بقيت المؤسسة تحت مظلة الأدارة العامة أم تم التوجه نحو خصخصتها .
—————————————————-
(*) ها جون تشانغ ، إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة ، الاستراتيجيات الإنمائية الوطنية ، مذكرات توجيهية في السياسات ، الأمم المتحدة ، إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة (UNDESA) ٢٠٠٧ .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب