23 ديسمبر، 2024 3:32 ص

خطيئة المجتمع المسلم كخطيئة آدم!

خطيئة المجتمع المسلم كخطيئة آدم!

عن الأمام علي(ع) : “ما آمن المؤمن حتى عقل” وعن الرسول محمد ( ص): ” العقل نور خلقه الله للإنسان، وجعله يضئ على القلب، ليعرف به الفرق بين المشاهدات من المغيبات “. لكننا مع ذلك الكم من الأقوال، لم نستلهم العبر ولا حتى من سرد الله لخطيئة آدم في كتابه، فالحق أقول:

إن عصيان آدم لأوامر الله هو رمز لعصيان إستخدام العقل، إذ لم يعترض آدم وزوجه على وعد الشيطان لهما بما اغراهما، ولم يشككا بفكرته، التي تسببت بعقابهما، بالرغم من أن الشيطان أغواهما بعلم الله؛ أي هو الفاعل المسبب الذي يفترض أن يعاقب وحده. لقول الله: ( فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين* فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين” الأعراف 20-22.

فالآية الأخيرة هي لوم لآدم وزوجه لعدم إستخدام العقل مع الشيطان. الحكمة اقتضت إن الإنسان، صُير الى مسؤول ووصي على ذاته، ولا أحد يحمل خطيئته ولا حسناته، ولطالما لم يستخدم عقله الذي منحه الله له، فمصيره كمصير آدم وزوجه.

كانت رغبة سقراط وباقي الفلاسفة وكل الآنبياء والحكماء، بيان أهمية إستخدام العقل، فالنفس التي خلقها الله فيها فجور او فساد تكويني تنحو نحو “الرغبات الأنانية” التي يعبر عنها القرآن “بالشرك أحياناً” لقوله” وما يؤمن اكثرهم بالله إلا وهم مشركون” يوسف 106.

فلابد من ضابط العقل ليقي النفس اللوامة من ذلك الفجور والشرك ( الأنا السلبية)، ويوقف تلك الفوضى وتلكم الشرور الصادرة عنها.

” ونفس وما سواها* فألهمها فجورها وتقواها*، قد افلح من زكاها* وقد خاب من دساها* الشمس 7- 10. فكل من الأنانية والحسد والغيرة، والحقد شرور من خلق الله..كما تقرأ في القرآن..في سورة الفلق…من شر ما خلق……ومن شر حاسدٍ إذا حسد. لكن الخالق لايستحي أن يخلق الشر لأنه اناط بالعقل مهمة ضبطه وملَّك النفس الإرادة الحرة لتزكية النفس منه.
لا تسألني ما الحكمة في ذلك الصراع الداخلي بين الخير والشر للنفس البشرية؟
الله أجاب على هذا الله السؤال بقوله : لَا یُسۡـَٔلُ عَمَّا یَفۡعَلُ وَهُمۡ یُسۡـَٔلُونَ ۝٢٣﴾ [الأنبياء ٢٢-٢٣].

العقل إذاً هو رمز لذلك الضابط للفساد التكويني المتجذر في النفس الإنسانية، والعصيان لهذا الضابط هو عصيان لله، لأنه رفض للإستخدام العقلي، كما حصل مع آدم وزوجه، والمُعبِّر عنه بالدس في الآية أعلاه.

خطيئة آدم مستمرة ولن تتوقف؛ طالما ظل الفرد لا يستخدم وضائف هذا الضابط، كالشك، بأعتباره مظهر من مظاهر التفكير للعقل الآدمي؛ الذي أمر الله بسجود الملائكة له – وشمل السجود لعقل كليهما الذكر والأنثى، فآدم هو رمز العقل في النفس الأنسانية، وما سجدت الملائكة لجمال وجهه كذكر وحسن قوامه دون الأنثى! فالسجود شمل الأثنان كما شمل العقاب كليهما، فآدم هو رمز النفس بكلاجنسيها ( آدم وزوجه)، كما بينته في بحث منفصل منشور في عدة مواقع، بعنوان ( سجود الملائكة لآدم وزوجه).

فلو شك كليهما بما أغواهما الشيطان.. رمز ( النفس الفاجرة)كما يعبر عنه القرآن، لما حل بهما العقاب وأُهبطا الى الأرض..

كذلك اليوم نعيش عدم التفكير وترك الشك الإيجابي الذي أمر الله به في القرآن، ونسعى للخضوع والتسليم للمجهول والخضوع للوصاية عن طريق العقول الملتهبة نقلياً عقائدياً، مما أودى بنا الى الهبوط الى نار الذل والهوان، فبتنا للأسف، أمة تُضحِك عليها من جهلها الأممُ.

المجتمع بشكل عام:- هو رحم الهويات الإجتماعية ومصنع الإبداع.

يتكون المجتمع العربي المسلم من أفراد ذوي أعراف وتقاليد مجترة من ماضٍ سحيق مع شحنات من ” الترند او الموده” وشيء من مكسرات الثقافة الفكرية، كحبوب لقاح لعلاج عقم الخلايا الرمادية، لكن بالطبع يُواجَه بضغوط اجتماعية كبيرة عبارة عن مشاحنات عقائدية تربوية، سعياً لضمان عدم دق إسفين يسمم هوية الماضي، لضمان حاضر ومستقبل الأجيال. وأن رهصت في رحمه بعض العلائق الفاعلة ” الثائر الإجتماعي” فمصيرها الإجهاض القسري.

ما يهم المجتمع العربي المسلم كرحم منتج للأفراد: هو ممارسة حرية الأنتاج وضمان تكراره وزيادته بما يضمن للهوية البقاء بغض النظر عن الأهمية النوعية له، ومثل هذا المجتمع لا يتمسك بهويته، لأنه لم يكتسبها وفق شروط النشأة الأنسانية، ولا اقصد الهوية العروبية “كما يحلو للبعض التمنطق بحروفها دون وعي مسبق” ، فيبقى بين هوية النشأة الأجتماعية وبين هوية الحرية في النشأة، التي يسعى اليها ليحتضن كينونته الأنسانية.
لهذا التنافر تداعيات سلبية؛ تعقم الأفكار وتشوه الواقع الأجتماعي بما يخدم ديمومة الأرتماء السلبي في أحضان المقدس بمختلف أشكاله ومذاهبه وطوائفه كمنقذ من هذا التشوه والعقد الأجتماعية، ولكن هذا الأرتماء يرتطم بمنصات الأختلافات العقائدية التي تفضي الى متواليات إجتماعية تنافرية تولِّد شرارات إنفجارية لا تصب في خدمة التناغم الأجتماعي والسلم الأهلي على الدوام.

مجتمعاتنا العربية الإسلامية هي نسخة من مجتمعات الأزمنة الماضية بجلابيب الحاضر وأيقاعه الصاخب، التدين مظهرها، والعصبية تغلبها؛ التي يُفترض بولادة القيم الاسلامية تنقرض؛ بإعتبار الإسلام نهى عنها، ولكن للأسف باتت كالفئران تقرض ولا تنقرض.

لا تسأل متى يدق جرس التغيير من أجل الهوية الإنسانية المتعقلة الحقة، إذ لن يحصل دون مقومات الوعي، فاغلب من هم داخل هذه المجتمعات تسير في مداراتها كالمكفوفين، لا يرون من يحرص على آخراجهم من جنان العقل الى براكين النقل.

الحل يكمن في المجتمع النوعي؛ الذي يحرص على التنوع الفكري وعلى أهمية أفق التفاهم والتسامح والشك بالافكار، وعلى مساحة سعة التجارب الفكرية، فمتى ما ولد مجتمع يسعى لإثراء عقول الأفراد وضمان منتوج الإبداع، حصد التغيير وتألقت الكرامة الأنسانية كهوية مشرفة للجنس البشرية ومنه لشخصية إجتماعية مسؤولة لا تنتظر الوصاية من أحد.