8 أبريل، 2024 7:31 م
Search
Close this search box.

خطيئة الكمامة في بلد العمامة

Facebook
Twitter
LinkedIn

“يبدو ان الصورة قديمة، لان لا احد من حولك يرتدي كمامة” اقتباس لكلام صديق اوربي راسلته قبل ايام وبعثت له صورا من عودتي للوطن”
فكتبت المقامة :
عار الكمامة في بلد العمامة
وفي بلدة يشتهر اهلها بالدين , والتوكل على رب العالمين ، رايت من شانهم امرا عجيبا ، يحار منه المرء اذا كان لبيبا،
اول ان حطت قدمي ارض مطارهم ، وصرت من “خطارهم” ، بادرني سائق اجرة بهجوم , من غير ذنب معلوم ، فقال: لا ادري الى متى سيستمر جهلكم و كونكم صيدا سهلا للخرافات ، وهدفا للترهات ، قلت: ماذا فعلت؟ قال: يا اخي انك تستفزني بكمامتك هذه ولا تراعي من حولك من البشر، قلت: ولكني اتوقع العكس ، اليس انت الذي يجب ان تراعي في زمن انتشار مرض لعين ، قال : والله لولا العيب لانزنلتك من سيارتي.ثم انقدته اجرته وافترقنا.
وهؤلاء عندهم ان من لبس العمامة موقر حتى وان كان رعديدا احمقا ، ومن لبس الكمامة محقر حتى وان كان سيدا مصدقا. وهذا من جميل توقيرهم للدين ، وتبجيلهم لعمامة سيد المرسلين .
ياخذونك بالظن ان كنت ممن لم يعهد عليك خيانة ، ويكرمونك ان كان لك مال او مكانة.ولكن لاينالك منهم ضرر ولا اهانة ، مادمت فيهم حسن السير والسلوك ، فلافرق لديهم في رفادتك ان كنت سيدا او صعلوك.
قال لي احدهم وهو رجل من الكرام ، قدمت اليه الى محل عمله للسلام – حيث اختلاط كثير للناس -: والله لااسلم عليك حتى تخلع كمامتك التي اصابتني بوسواس ، قلت ومايضرك ان ارتديتها ،قال : احس كانني اجلس الى رجل غريب لا اعرفه، واحسك تبالغ في وقايتك ، قلت: وماوقايتك انت؟ قال : انا اخذت اللقاح . قلت: يعني انك تصدق بفعالية اللقاح بعد ان يدخل الى بدنك الفايروس ولا تؤمن بكمامة تمنعه من الدخول؟ كنت اظنكم بافعالكم هذه لاتصدقون امر الفايروس اصلا ، قال : كيف وقد مات فيه احبابنا. فقلت :عجيب ايها الاخ الحبيب .
وكان رجل يجالسه ، لا يعرفني ولا اعرفه ، فدخل على الحوار دون استئذان ، وانطلق بحديثه مسرعا كان على راسه الجان ، قال: سانتقدك وارجو ان لاتزعل ، قلت : لأي خلل؟ قال: هل تظن فعلا ان ارتداء الكمامة يقيك المرض؟ قلت: هذا مااثبته العلم وخلصت اليه التجارب ، والله الحافظ بعد كل شيء ، قال: الا تجد نفسك شاذا بين الناس؟ هل ترى احدا من حولك يفعل فعلتك؟ قلت: هذا شانكم هنا ، اما من حيث اتيت وحولنا من العالم فانهم يفعلون جميعا تقريبا ولا حرج في ذلك. فصد عني مستنكرا.
ومن اخباري معهم وانا ارتدي كمامتي ، ان احدهم قال لي لائما منزعجا : هل تظن بعقلك ان هذه ستقيك ،قلت : هذا ماثبت في العالم حولكم كما اظنك سمعت ، قال : بل ان عندنا لم يصب الا الذين ارتدوا الكمامة وكن واثقا ان الذي لايوسوس ولايتوقى ، هو الذي يعيش ويبقى ، ولا يصاب الا من حرص على التباعد والانعزال ، قلت: ماذا عنك وانت لاتضع كمامة ولاتوسوس؟ قال : اصبت ثلاث مرات !! قلت : وانا لم اصب ،،فما قولك ؟ قال : هذه اقدار الله.!
في مجلس آخر عاتبني رجل جاوز السبعين حجة قائلا على الملأ : والله اننا نعهدك شخصا ذا خلق طيب وان اباك رحمه الله كان رجلا خيرا يشهد له الناس بالصلاح ،فما الذي يدفعك الى امر كهذا تثير فيه ريبة الناس ونقدهم ، وتخلق لنفسك متاعب عندهم ، فيجفو عنك محبوك ، وينفر منك من كانوا يكرموك .
قلت : ياعم ماالذنب الذي جنيته؟ قال: يابني والله اننا نحبك ولانريد لك الا الخير ، قلت : ياعمي العزيز ، فان كنت انا ارى الخير لنفسي في الوقاية من الوباء بارتداء كمامة لا اراها تضر احدا , قال لايمكن ولايقبل هذا القول رجل عاقل ،ولن ادعك دون نصحك واذا اقتضى الامر ساجبرك ، وكان جدلا طويلا انتهى طبعا بتغير انطباعه عني تماما ومفارقته لي عن زعل وغضب ولم اوفق في ارضائه طالما اصررت على ارتداء كمامتي.
ومما وقع لي في البلدة الكريمة التي يغمرك اهلها بسماحتهم وكرمهم في كل شأن حتى تحس نفسك ضيفا معززا ، الا في امر الوقاية من المرض فانهم يجدون ماتفعله شأنا مقززا. فوقع لي مع رجل هو عني غريب ، هذا الحوار العجبب:
قال: اخلع الكمامة يااخي
قلت: مايضيرك منها ؟
قال: احسها تخنقك ،
قلت : لا ،، اطمئن انا معتاد عليها.
قال: ولكها تخنقني انا ،
قلت : ولكنك لاترتديها ،
قال : عندما اراك ترتديها اختنق واكاد لا اتنفس فارجوك اخلعها .
قلت: طيب ، اسحب نفسا عميقا واهدا وسيكون كل شيء على مايرام ،
دخل الرجل في نوبة عصبية ، وهو يصف اختناقه بطريقة هستيرية ، وكان حولنا بعض الناس منهم ولد شاب , فطلبت منه ان يساعده ببعض الماء للشراب ،،ففعل ، وحاولت تهدئته بتخفيف اثر الكمامة عليه (كمامتي انا طبعا)! .
وبعد قليل راح يروي لي قصصا من شجاعته مفتخرا فقال:
والله كنت احرس مستشفى كواجب مهنتي في اشد ايام الموجة الاولى والثانية للفايروس ، فادخل ردهات المرضى واساعد الاطباء وانام بين المصابين واكل معهم ولا ارتدي الكمامة مطلقا ،
قلت : انت رجل شجاع.
فاستانف : اقول لك شيئا ولا تزعل , قلت نعم
قال :عيب على الرجل ان يرتدي كمامة بحجة الوقاية من المرض،
قلت: وماذا عن النساء؟
فحسبها سخرية منه ،، وزعل هو الاخر.
ومن اغرب ماحصل معي محاججتي لاحدهم وقد هجم على كمامتي عندما دخلت عليه ، وكان جمع غفير من الناس بين يديه، قال: انك تقلقني بهذه الكمامة فانا اخشى من الاصابة، قلت: ولكني اراك لاتخشى من الناس الذين يدخنون من حولك ويعطسون قربك ويسعلون ، ويدخلون ويخرجون دون عازل بينك وبينهم،فكيف صح عندك ان تخشى مني وانا اكفيك شري ان كان في ذلك شر؟!
فلم يحر جوابا ، ولكنه عبس عني واصر ، وغيرنا مجرى الحديث.
قلت لاحدهم مرة وكان ينفث دخان سيجارته بوجهي دون اكتراث : يا اخي ان لم تنفعني الكمامة من كورونا فستنفعني من دخانك النفاث ، ومن اتربة بلدتنا المعمرة الجميلة التراث. فغضب هو الاخر. وهو يعرف انني لااطيق دخان المدخنين ،سيما وانهم لايراعون مكانا مغلقا ولاينظرون الى حال المعتلين، والشكاية لله رب العالمين.
رجل واحد ادين له بفضل -في امر الكمامة اقصد- في هذه المدينة الفاضلة التي اكرمني فيها كل اصحابي الاولين . ولكن عبد الرحمن الشاعر كما عهدته منذ صغرنا ، مساند على كل امر لايرى فيه شرا ، وكان فضله علي في رحلتي هذه انه كف عني ضغط بعض الاخوان واصرارهم على ارباك الهدوء بيني وبينهم ، والانشغال بامر كمامتي عن رفادتي او مجاملتي ومحاورتي ،
وقد كان تقبله امر كمامتي من اول وهلة دون انزعاج ، وبكامل المحبة والابتهاح ، ولم يعر الكمامة اي اهتمام ، رغم ان لقاءنا كان بعد عشر سنوات بالكمال والتمام .
ولكل احبتي الذين قابلتهم العذر والاحترام.
والسلام.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب