يقول البعض أن العرب دائماً ما كانوا يؤمنون بالقسمة، في حين إن أمريكا وضعتهم في جدول الضرب.
إن ما تريد أن تخبرنا به هذه الكلمات إن ما يجري في واقعنا ليس أقل من حفلة تعري عالمية أو بشكل أدق إلقاء آخر قطع الملابس على المسرح التي كانت تحمل مشاعر النضال والكفاح وتحرير الأراضي المغتصبة.
نستطيع القول دون أن يرمش لنا جفن إن الغالبية من الشعوب العربية هي الشعوب الأكثر ميلاً لأحلام اليقظة التي تتزامن اليوم مع إبادة أهل غزّة، ولا زالت تلك الغالبية تتمتع بحصة الأسد من هذه العوالم الحالمة وهم يحجّون إلى سفارات البيت الأبيض لتلقّي النصائح والإرشادات من أصغر موظف فيها.
أليس من سخريات القدر أن تلوذ الضحية بالقاتل لتحتمي به من الخطايا والجرائم التي كانت من صنع يديه، كيف تأمن الخِراف للذئب؟.
ألم يقل الرئيس المصري السابق يوماً حسني مبارك “أن المتغطي بأمريكا عريان”.
سيدّعي ذلك البعض أنها سياسة، كما كان الأديب السويسري (جو تفيرد كيلر) يرددها في مقولته الشهيرة “كلُ شيء سياسة”، لكن من قال أن أمريكا تريد الخير للشعوب العربية مهما كانت إبتسامتها في وجوههم.
“لو لم تكن إسرائيل موجودة لأقمناها” هكذا كان يكرر الرئيس الأمريكي “جو بايدن” جملته المشهورة بعد أكثر من ٣٧ عاماً خلال زيارته التضامنية التي أجراها لتل أبيب في حصارها لغزّة، ليُجدد دعمه لدولة الإحتلال.
ويبدو أن بايدن كان يعي كلامه جيداً، وفي كامل قواه العقلية حين قال ذات مرة لدى إستقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “لابد أنكم سمعتموني أقول عدة مرات أنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا إختراع واحدة، وأنا أعني هذا الكلام”.
إن ما نستنتجه في محصلة القول إن أمريكا تجعل من إسرائيل في المقام الأعلى من الوجود وأنها من الأولويات في السياسة الأمريكية مهما تبدلت الوجوه وتغيرت السياسات.
لازال العرب يملكون عناصر قوة لم تُكتشف بعد وإن كانت بعض تلك العناصر قد تم إستخدامها في حروب عام ١٩٧٣ مثل النفط، والموقع الجغرافي الذي يسيل له لُعاب الشرق والغرب معاً ولازال النقاش عليه مُحتدماً وفي بدايات تأسيسه، إلا أنه يؤشر لبداية حقيقية في التأثير على صنع القرار السياسي.
في آيار/مايو عام ٢٠٢١ نشرت مجلة “ميليتري ووتش” المتخصصة في السلاح والعتاد ويحررها خبراء عسكريون ومحترفون مقربون من صُنّاع القرار الأمريكي عن صفقة سلاح إعتقد العراقيون أنهم أنجزوها بنجاح عندما تعاقدوا مع أمريكا على تجهيزهم ب(٣٤) طائرة من نوع (F-16) بين الأعوام ٢٠١٤- ٢٠١٧ لقتال داعش الذي كان يحتل ثلث الأراضي العراقية، لكن مفاجأة العقد كانت تتضمن رفع أجهزة التوجيه الألكترونية ورصد مواقع الأعداء ورفع كل الملحقات التي من شأنها أن تعيق إختراق طائرات الدول المعادية للعراق، والأغرب أن الطيارين تم إلزامهم بالتدريب في ساحات ومطارات الولايات المتحدة نفسها.
كان التقرير الذي نشرته مجلة متخصصة بالأسلحة والمعدات العسكرية قد أثار الكثير من السخرية والإستهجان في الأوساط الشعبية والبرلمانية في العراق حين تحدث عن تعمد مقصود من الولايات المتحدة بإحداث فروقات كبيرة بين الأسلحة المُصنّعة للجيش الأمريكي ونُظرائه من الدول الأخرى، أو التي يتم بيعها لدول العالم الثالث من حيث إفراغها من جميع التقنيات الألكترونية المتطورة وتحديد شروط ملزمة في تشغيلها بساحات الحرب.
فهل بقي هناك من يعتقد أن أمريكا ستنتصر للقضية العربية؟ قد لا نجد صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال، لكن الأصعب هو أن تُقنع من يرتمي بأحضان السفارات للبحث عن الملاذ الآمن وهو يدّعي السيادة والوطنية، والغرابة الأكثر تكمن في ذلك البعض الذي لازال يأمل خيراً بمن يقول “لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدنا إسرائيل” وتلك هي المصيبة.