18 ديسمبر، 2024 9:44 م

محبة الناس واحترامهم اقصى ما يسعى اليه الانسان العاقل،وبقدر ما في داخله من صدق مع نفسه ومع الاخرين سيحظى بالحب والاحترام،لان الحب لايُفرض او يُنتزع بالقوة او السلطة او المال او الخوف او الترهيب او الخديعة كما يتوهم الجبناء والمعتوهين ولصوص الدين،وما اكثرهم في العراق.وما يحظى به اليوم الراحل احمد راضي من حب واحترام وتمجيد شعبي،خاصة بعد رحيله،فاق اضعاف ما كان عليه ايام كان نجما لامعا ً يتسيد الملاعب ويسعد الجماهير،ولااظن ان نجما رياضيا عراقيا او عربيا قد نال مثل هذا التكريم الانساني،فقد تجاوز حدود المتوقع بكثير،مثلما تجاوز حدود العراق ووصل الى قرى ومدن وبلدان وعواصم عربية وغير عربية،فتوحدت في حبه مشاعر البشر دون شروط ،عابرةً حواجز هوياتهم الدينية والاثنية.فأقيمت موائد لاطعام الفقراء واللاجئين ،واصطف المؤمنون يؤدون الصلاة على روحه في المساجد والكنائس،ونعاه الكبار والصغار،لينال مرتبة عالية من الحب والتقدير رفعته الى مرتبة النجوم الخالدة بضيائها يحسده عليها زعماء وقادة وليس نجوم الرياضة فقط .
من جانب آخر لم يكن يتوقع د. حسين القاصد مدير عام دائرة الشؤون الثقافية في العراق احدى اكبر المؤسسات الرسمية التابعة لوزارة الثقافة العراقية ان يواجه هذه المرة بِردود افعال شعبية ضده،وعلى هذه الدرجة من القوة والسلبية، بعد ان حاول ان يلعب مرة اخرى على حبل العنصرية الطائفية،ويتمرجح عليه كعادته بين فترة واخرى،عندما استخفَّ واستهزأ بمشاعر غالبية العراقيين واساء لشخصية نجم كرة القدم العراقية الراحل احمد راضي بعد اعلان وفاته بفيروس كورونا بتاريخ 21 حزيران (يونيو) 2020 .
كان القاصد مطمئنا كما في المرات السابقة،من انه سيكون بمنجى من اي رد فعل يطاله عبر مواقع التواصل الاجتماعي،ولديه ثقة بان موقعه الوظيفي لن يهتز،وسيبقى محتفظا بمنصبه كمدير عام لدائرة الشؤون الثقافية،واستاذا جامعيا يحمل شهادة دكتوراه،وشاعرا يحمل عضوية اتحاد الادباء والكتاب العراقيين،وأصلُ هذا الاطمئنان يعود في حقيقته الى وجود عناصر كثيرة في الوسط الادبي والفني والاعلامي مابين شعراء وادباء ومثقفين وصحفيين يتفقون مع مواقفه العنصرية،لكنهم ولااسباب مختلفة لايعلنوها،ربما لانهم يخشون ردود الافعال السلبية ضدهم،او لانهم بطبيعتهم انتهازيون،يخفون دائما حقيقة دواخلهم حفاظا على مصالحهم الذاتية، او لانهم مخلوقات بلاموقف،ولهذا كان هؤلاء جميعهم ،يساندوه ويحتفون به من خلف الستار،ومن هنا يمكن تفسير الدعوات التي كانت تصله لحضور المهرجانات والمحافل الادبية رغم اللغط المثار حول عنصريته قبل ان يتسلم اي منصب حكومي باعوام عديدة.
لايمكن توصيف وصول حسين القاصد الى منصب مدير عام دائرة الشؤون الثقافية مع بداية هذا العام 2020 إلا بمثابة نقطة سوداء في تاريخ الثقافة العراقية الرسمية،لان هذا الاختيار يعكس سعي السلطة الرسمية على تكريس مناخ الطائفية في الحياة الثقافية،وتجاهل اسماء اخرى عاملة في ميدان الثقافة تتمتع بقدر عال من الوعي والمصداقية والحضور المؤثر في الوسط الثقافي ،على سبيل المثال لا الحصر ،القاص محمد خضير الروائي عبدالخالق الركابي ،الروائية لطفية الدليمي،واسماء اخرى كثيرة،يتشرف بها المنصب،اذا ما استعرضناها .
لم يعُرف عن القاصد اي منجز ابداعي،سوى عنصريته التي كان يحرص على نشرها في الفيس بوك،ولم يحقق في حياته اي حضور ثقافي مميز،وكل الذي اشتهر به تلك المواقف التي تعمد فيها استفزاز مشاعر العراقيين بكتابات تنضح كراهية،وكان حريصا على التعبير عنها في مواقع التواصل الاجتماعي مع اي حدث عام تتوحد فيه مشاعرهم،ودوره هنا لايفرق قيد انملة عن دور اي عنصر ينتمي لفصيل ميليشياوي طائفي،لايتردد في ارتكاب انتهاكات بحق الاخرين حسب هويتهم.
موقفه هذا،بدا في اكثر من مناسبة عامة،ابرزها كانت في تلك الساعات العصيبة التي احتبست فيها انفاس غالبية العراقيين قبل واثناء معركة تحرير الموصل من سلطة تنظيم الخلافة “داعش” حينما دعا في تعليق كتبه في صفحته بموقع الفيس بوك الى تحويل منارة الحدباء الشهيرة في جامع النوري الى مبولة عامة،دون ان يراعي اهميتها التاريخية وحرمتها الدينية،ومتجاهلا بذلك رمزيتها الوجدانية لدى سكان الموصل جميعا،لان تاريخ بنائها يعود الى العام 1170 م .
فما دلالة تنصيب شخص لادارة مؤسسة رسمية ثقافية كبيرة،مع انه يجاهر علنا بما يحمل في داخله من تركيبة عنصرية ازاء كل من يختلف معه في المذهب والعقيدة الدينية ! ؟
لاجواب على هذا السؤال سوى ان النظام السياسي الحاكم فتح ابواب مؤسساته الثقافية على مصراعيها امام الاصوات المتطرفة التي تلتقي مع مشروعها الطائفي الذي اسسته في ديباجة الدستور،لتتصدر واجهة المؤسسات الثقافية والاعلامية والصحفية وتنال الحظ الاوفر في المناصب والمكاسب ،لنشر افكارها وتعميم مواقفها لتكون قاعدة عامة ،وليكون الاعتدال والحكمة والرصانة والموضوعية في المواقف استثناء وخروجا عن الاجماع .
علامات الخيبة ارتسمت على وجوه كثير من المثقفين والادباء،ما أن وصل مثقف غلب التطرف على مواقفه الى هذا الموقع الرسمي،وليكون مسؤولا عن اهم مؤسسة ثقافية مهمتها الرئيسة طبع واصدار النتاج الادبي والفكري العراقي،بمعنى ان المسار الذي سيتم انتهاجه في الايام القادمة سيقود في افضل حالاته الى ان يُستبعد من خطة المؤسسة كل الاسماء التي لم تنخرط في خطاب المغالاة المذهبية والعنصرية الذي انساق اليه رهط كبير ممن يحسبون على الثقافة العراقية بعد العام 2003 ،وان ستراتيجية المؤسسة القادمة ستتلخص بالترويج لاصدارات ادبية وفكرية تنبعث منها رائحة العنصرية والتزييف والتدليس،ولن تفلح في تغطية نهجها هذا مهما مارست من افانين التضليل،بنشرها اصدارات اخرى بعيدة عن سرديات خطاب التطرف .
فلاغرابة اذا ما استوطنت المشهد الثقافي العراقي اصدارات ستزيد من جرعة الاوهام والخرافات التي حرص النظام السياسي الحالي على اشاعتها باعتبارها جزءا حيويا من الثقافة الجمعية وعبر مؤسسة ثقافية يقودها اكاديمي وشاعر يتبجح بعنصريته،في المقابل ستنحسر امام هذا المد الذي يبيع الاوهام والاحقاد التاريخية للعامة،فرص اصدارمطبوعات رصينة لاسماء كانت حريصة على ان تلعب دورا تنويريا .
اجد لزاما عليَّ ان اؤكد بأن من كان صريحا بعنصريته ضد الاخرين ،لايحق لنا ان نلقي اللوم عليه،لانه لم يتستر عليها،حتى لو دعا مثل حسين القاصد الى تحويل منارة الحدباء لمبولةٍ عامة،او نال من شرف نجم رياضي كبير مثل الراحل احمد راضي ،مع ان راضي لايختلف عليه اثنان من العراقيين او العرب بانه كان رمزا رياضيا يسمو ببريق نجوميته واخلاقه وانجازاته فوق كل التسميات العنصرية التي جاء بها لصوص الدين والاخلاق بعد العام 2003.
ويحق لنا ان نضع اللوم كله،على ذاك المثقف”الأملس”مثل جلد الافعى،ومعه مؤسساته ومنظماته،لانه دائما ما يخفي دواخله بتراكيب لغوية متحذلقة،مطاطية،زلِقة،فيها من السم القاتل اكثر بكثير من سموم المخلوق العنصري الصريح.
ولكن هذا”الأملس”برغم ما يبدو عليه من انه يملك دهاء،إلاَّ ان بطاقات التهنئة التي اعتاد ان يسرع بارسالها للعنصريين والطائفيين ما ان يستلم ايا منهم منصبا حكوميا، كافية لتعريته.
والسؤال البديهي الذي يتبادر الى الذهن امام هذا المشهد:ماذا ينتظر القابعين في المنطقة الخضراء واشباهههم من المثقفين العنصريين إذا ما حانت ساعة رحيلهم،هل سيحظون بنفس التكريم الشعبي الذي ناله الراحل احمد راضي بعد وفاته ؟