23 ديسمبر، 2024 9:30 ص

خطوة أخرى نحو تقسيم العراق

خطوة أخرى نحو تقسيم العراق

لا أحد يعلم تماما إلى أين يسير العراق وأين ينتهي به المطاف، هل سيبقى واحدا موحدا يديره ويتحكم فيه الشيعة لعقود قادمة من دون معارضة سنية ولا كردية، ويصبحون السادة الفعليين للبلاد، والكل يخضع لهيمنتهم وسطوتهم الطائفية، بالضبط كما فعل البعثيون من قبل عندما حاولوا بكل الطرق إذلال العراقيين وإخضاعهم لسياساتهم الشوفينية، فالأحزاب الشيعية اليوم تحاول أن تكرر نفس تجربة البعث المريرة، ولكن بصيغة أخرى أكثر ضراوة ودموية وبتخطيط وتوجيه مباشر من إيران، ولن يثنيها شيء للوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجي المهم، دون إقامة أي اعتبار للمفاهيم الديموقراطية ومبادئ الدستور ولا للشراكة الوطنية والتوافقات السياسية ولا للخصوصية العرقية والطائفية والدينية التي يتمتع بها المجتمع العراقي.
هدف الشيعة الأساسي الوصول إلى الحكم والتشبث به حتى النهاية، ولا مساومة ولا تنازل عنه بأي حال من الأحوال وتحت أي ذريعة، وقد صرح رئيس الوزراء العراقي السابق «نوري المالكي» مرارا بأنهم متمسكون بالسلطة ولن يسلموها لأحد أبدا (بعد ما ننطيها)، والمفارقة أن السعي وراء هذا الهدف ليس محصورا على الأحزاب الشيعية في العراق، بل موجود لدى كل الأحزاب والميليشيات الشيعية في المنطقة، كلها تحاول وتسعى لتشكيل إمبراطورية شيعية مترامية الأطراف في المنطقة بزعامة الولي الفقيه الإيراني، ومن يعتقد غير ذلك فهو إما جاهل أو متجاهل.
والسؤال المطروح على العروبيين الوحدويين وبقايا البعثيين الذين ما زالوا يرفعون شعار الوحدة الوطنية ويرفضون أي مساس بالخارطة السياسية للعراق ويصرون على إبقائه موحدا غير قابل للتجزئة والتقسيم، رغم حالة العداء الشديدة بين مكوناته الرئيسة الثلاثة «الشيعة والكرد والسنة» والأوضاع الكارثية التي يعيشها العراقيون، والسؤال هو؛ هل يرضى ويقبل هؤلاء الوحدويون الحالمون ومعهم الدول العربية التي تعارض وتتصدى للتقسيم في العراق أن ينجح الشيعة في إبقاء العراق واحدا وموحدا ومهاب الجانب وذا سيادة وطنية ولكن تحت هيمنتهم الطائفية، وفي ظل تصديرهم للفتن والأزمات إلى دول المنطقة؟!
معظم القوى السنية في العراق وفي العالم العربي، رفضت بشدة تقسيم العراق على أساس عرقي أو طائفي سابقا، ووصمت الداعين لإقامة الأقاليم بالخيانة والانفصال، ولكن بعد أن أدركت حقيقة النوايا المبيتة لدى إيران والأحزاب والميليشيات الموالية لها في المنطقة العربية في بسط سيطرتها كاملة على العراق والدول العربية، بدأت تتراجع عن مواقفها القديمة وتغير من سياساتها السابقة وتدعو إلى تقسيم العراق إلى أقاليم وفق ما جاء في الدستور بعد أن كانت تعارضه وترفضه بشدة.
وكذلك فعلت الولايات المتحدة الأمريكية ولكن مبكرا، عندما اقترحت عام 2006 تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق مستقلة ذاتيا للمكونات الثلاثة الرئيسة «الشيعة والسنة والكرد»، ولكن المشروع رفض من قبل الحكومة العراقية والأحزاب السنية. وبتطور الأحداث لاحقا وظهور تنظيم «داعش» على المسرح العراقي وتشكيل ميليشيا «الحشد الشعبي» بفتوى من المرجعية الشيعية، واستمرار اتساع الهوة بين التحالف الوطني الحاكم والسنة والكرد، ووصول العلاقة بينهم إلى الصدام والمواجهة المسلحة والتي أدت في النهاية إلى قطع الإمدادات العسكرية عن العشائر السنية والبيشمركة الكردية رغم خوضهما الحرب ضد قوات «داعش»، الأمر الذي دفع بالكونجرس الأمريكي إلى تقديم مشروع قانون يقضي بتسليح السنة والكرد دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، وهو ما أثار غضب الأحزاب الشيعية وأقطابها واعتبروه عدوانا سافرا على السيادة الوطنية و«بداية للتقسيم العلني»، واتهموا الكرد والسنة (..ببيع هويتهم الوطنية إلى الصهيونية من أجل الحصول على مكاسب لاقتسامها مع تنظيم الدولة الإسلامية)، ولم يكتفوا بالتهديد والوعيد، بل سارعوا إلى عقد جلسة طارئة للبرلمان لرفض المشروع الأمريكي الاستعماري، ورغم انسحاب نواب الكرد والسنة من الاجتماع، فإنهم قد خرجوا بقرار «شيعي بامتياز» يدين المشروع الأمريكي. ومهما كانت أبعاد القرار، فإنه يظهر مدى حالة الفرقة والتناحر التي وصل إليها الفرقاء السياسيون في العراق.