23 ديسمبر، 2024 6:28 ص

خطوات في الاصلاح والتغيير

خطوات في الاصلاح والتغيير

يجري الحديث ساخنا من شتى الاتجاهات ، التي تشي بآراء مختلفة في نشدان التغيير والاصلاح المرتقبين ، والسؤال الذي يفرض نفسه بالحاح ، ما هو جوهر وابعاد خطوات التغيير والاصلاح ، الذي يريدهما الناس، كي تهدأ نفوسهم ويطمئنوا.
هل تتعلق المسألة بشكل الحكومة وتمثيلها، ام ان الامور تتعلق ببناء الدولة واجهزتها المختلفة من وزارات ومؤسسات وهيئات والقائمة تطول ، وطريقة ادائها وخدمتها للناس ، مثلما يجري في ارجاء المعمورة حيث الحكومة مشغولة بأرضاء شعوبها؟!.
ضمن ما طرح من اراء، التأكيد على ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة ، وهي فكرة تبدو بعيدة المنال، بحكم المستجدات الموضوعية والظرفية الراهنة ، فقيام حكومة التكنوقراط، تحتاج بلا شك الى قاعدة شعبية تركن اليها وتتكئ، وفي مشهدنا اليوم ، وبرغم الجامع المشترك للكثيرين ممن هم يشكلون القاعدة، سواء ، للمجتمع ام احزابه وقواه السياسية في التظاهر والاحتجاج ، فأنهم ينحازون الى توجهاتهم بحكم طبائع الامور المتغيرة عند الناس في ايثار اتجاهاتهم.
القاعدة الشعبية المكينة ، تعّد شرطاً ذاتياً وأساسياً ، لقيام عمل وآلية الحكومة اذ تمنحها الشرعية ، وتستمد منها القوة والثقة التي تفقدها بزوالها.
وقد منحت الجماهير كل ثقتها للقوى السياسية والاحزاب كل بحسب دائرته ، بأمل الظفر ببعض الثمار الموعودة ، لكن البرامج الموعودة المودعة في برامج الاحزاب عفّرها التراب ، ولم تر النور في زمن الحرية ، واكثر من هذا لم تتحقق البرامج الحكومية على مدار السنوات المنصرمة .
فهل قرأت القاعدة الدرس وفهمته؟
برغم بؤس المرحلة وثقلها وآلامها ، يبقى التمثيل السياسي لبعض الاحزاب والتيارات والمجموعات السياسية للاطياف الرئيسة في المجتمع احدى الشروط الموضوعة لراهننا الذي لا يمكن تجاهله ، ولكن ليس على طريقة المبايعة السابقة المرّة والعديمة النتائج ، الا من الفقر والبؤس والفساد ، مثل هذا التمثيل ، يمنح الحكومة المقبلة في حال تشكلها القوة والقدرة على النهوض والسير الحثيث ، وان تمتعت بخصوصية التكنوقراطية التي تؤهلها لاداء عملها.
استيعاب المرحلة العاصفة ، واستدراك الوقت لبناء الدولة من جديد ، يلزم القوى السياسية والاحزاب اختيار ممثليها بدقة ، فهي مسؤولة اخلاقيا وسياسيا وبشكل مباشر هذه المّرة ، وعليها ان تعرف ان الجرة لن تسلم كل مرّة على حد تعبير المثل.
ترشيح رموز سياسية او كفاءات مشهود لها بالنضال وحب البلاد والنزاهة والخبرة والدراية ، لأداء العمل الحكومي بما يحقق نتائج ملموسة وواقعية ، تسهم بتحقيق انجازات واضحة ، امتياز شرف للجهة المرشحة ، تؤكد صدقية اهدافها ، فضلا عن تحقيق خدمات تجعلها قريبة من الجماهير وطموحاتها ، وتلك مكاسب ديمومة اي حزب سياسي حقيقي .
بالنظر الى تجارب الاعوام الماضية ، التي تفصح عن نفسها بالكارثية، واستنادا للنتائج المتحققة على ارض الواقع وحسابات التراجع المخيف على عديد الصعد ، بحسب مؤشرات المنظمات الاممية ، لاسيما ممارسات الكثير من الوزارات والدوائر والمؤسسات ، التي اظهر القائمون عليها دورة بعد اخرى ، قدراً كبيراً من العجز الفكري ، والضحالة وضيق الافق ، والفساد المتصاعد بوتائر عالية.
وهو مبعث يجعلنا ان نفكر الف مرّة قبل أن نوسم افعالنا بالديمقراطية.
السلوك العملي والمهني لهؤلاء ، حمل لنا بشائر من خيبة الامل والاحباط ، فبدلا من معالجة خراب موروثاتنا الماضية على متعدد الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، اضيف لنا خراب جديد لا قبل للبلاد فيه. لقد افقرت ممارساتهم الشعب ، وضاعفت وتائر الفقر بما يفوق التصور ، وأدى غياب البرامج على كل المستويات الى مضاعفة التداعيات ونتائجها، وتعطل هيأة الحساب جراء التدخلات والمداخلات ، وهذه كلها عوامل تثوير واستفزاز لمزاج الناس وتطلعاتهم ، وهي افرازات اداء الحكومة والشلل الذاتي في مفاصلها، اذ كان ينبغي ان تنفذ برامجها الذي سهل غياب الرقابة البرلمانية من التمادي في عدم تنفيذها. وهذه العوامل تداخلت في بعضها بحساب المصالح والاهواء ، لتخرج البلاد مفلسة من ثروة كبيرة وفرتها اسعار النفط. وغابت عن الاذهان من ان الناس خطوا في ركاب المناهج السياسية للأحزاب والقوى بحسب وعد برامجها وما تسعى اليه من بناء للبلاد وأزدهار للعباد. الا يتساءل هؤلاء، ماذا قدموا للناس؟ اذ ضاعت فرص بناء الدولة على اسس الدستور الجديد.
نهب المال العام بهذه الوتيرة شكل خطراً آخر يهدد البلاد ، بسبب ضعف القاعدة المالية المطلوبة لمجابهة الارهاب.
ومن الجهالة ان نحمل الآخرين والخارج جميع مسؤوليات الوضع السيئ ، ولابد من الاعتراف بالقصور الذاتي والعجز، والسعي الى تلافي هذه النواقص وتجاوز الثغرات اثناء تشكيل الحكومة المقبلة.
ولابد ايضا من وضع آلية فعالة للرقابة الادارية والقضائية والشعبية على عمل الدوائر والاجهزة الحكومية، وعلى شخص الوزراء والوكلاء والمديرين العموميين، وان تضطلع الصحافة بدورها النقدي الرقابي.
التغيير المنشود وفقا لتضاريس الحالة السياسية، التي نعيشها ينبغي الا يقتصر على هياكل الدولة ومؤسساتها ، بل المؤسسات السياسية للاحزاب والمنظمات وغيرها من البنى السياسية والاجتماعية المفتقرة لاساليب العمل الديمقراطي، فضلا عن انها المصنع الذي ينتج الحكومة.
تحتاج معظم الاحزاب والمؤسسات السياسية، الى اشاعة الديمقراطية في صفوفها على نحو واسع، فضلا عن اعادة النظر في اصلاح نفسها ، وبالعربي الفصيح ، عقد مؤتمرات تناقش شؤون الحزب والوضع السياسي العام مناقشة حرة واسعة ، تضمن طرح مختلف الاراء.
ونفتقر الى هذه الحرية راهنا، لان الحديث عن الاصلاح الشامل في غير اوانه ، لانه لا يزال بعيدا.
ولا حاجة لان نسربل انفسنا بألاوهام والامال الضائعة. فالخطوة الاساسية المطلوبة، هي عملية انتخابية حرة من القاعدة، قاعدة الاحزاب، قاعدة المجتمع. والانطلاق من القناعة الاكيدة بان التغيير الذي يرسخ جذوره يبدأ من القاعدة. التغيير من القاعدة من اولى موجباته، تصحيح طريقة التفكير واطلاق حرية الرأي ، التي تؤسس لتفاعل صحيح لحركة المجتمع وايقاعه مع حركة الدولة ، بما يعيد الثقة والامل للمواطن. تعاني الساحة السياسية من حالة ملازمة تتطلب مرونة ، فالجيل السياسي القديم مع الاعتزاز والتقدير لكفاءته وتضحياته وحقه في التعبير، يعاني الترهل في مجاراة التغيير والاصلاح ، فالغالبية تنزوي مديات تفكيرهم عند محطات تجاوزها الزمن ، وفي عملهم السياسي الذي لا يسلم من وصايتهم الابوية ، بدلاً من التعاطي الديمقراطي الحر على اساس الاحترام الكامل لاراء وافكار الاخرين.
الحالة السياسية الفكرية حتى الان لا تزال كارثية، فيما يركن اليها بعضهم هانئا مطمئناً، من دون ان يدرك ما تحمله تلك الهزة الزلزالية الاجتماعية المقبلة.
اذا لم تدقق الحسابات بمنطق الواقع وبعدها العقلاني الذي يضع الامور في مدياتها الصحيحة أملا في صبح جديد.