مرت ببلادنا ازمات عديدة ومشاكل مستعصية ,ولم يجد المواطن العراقي حلاً لها, بل رُحلت أغلبها ولم تُحل ولم يُبَت بها ,لعجز الأحزاب والكتل السياسية التي تتحكم بأمور البلاد وتخنقها,ولتعطيل مجلس النواب عن عمله التشريعي والرقابي,فليس للنائب حرية التصويت ,بل إن النائب يحاذر من التصويت على قانونٍ او قرارٍ مخالف لرئيس الكتلة التي ربما هيَّ التي جاءت به لعضوية المجلس, من خلال قانون المقاعد التعويضية الذي سلب أصوات المُنتَخِبين وتجيرها لصالح من لا يريدون إعطاءهم الأصوات.ومن هذا المنطلق ولتكريسه دأبت هذه الكتل وزعماؤها على تعطيل طريقة التصويت الإلكتروني وتصر على التصويت برفع الأيدي. والمُتتبِع يرى كيف يدير رئيس الكتلة أو من يكلفه رأسه ليرى من يصوت خلافاً لما يرىد حتى يعاقبه لتمرده وخروجه عن طاعة الأمير.
آخر الأزمات التي تمر بنا هي قضية قوات دجلة التي يعترض عليها الأخوة الكورد ويقولون بعدم دستوريتها , والتصريحات الأعلامية النارية التي إعتمدها الطرافان, التي تؤجج الفتنة وتجر البلاد الى ما لا يُحمد عقباه هيَّ السائدة, بدل الحكمة والعمل الهاديء العقلاني .لم يستغل الساسة من الطرفين العلاقات التأريخية بينهما ولم يَجنح الطرفان للحكمة والمنطق والمصلحة الوطنية,ولم يُجروا أَي حوار أخوي مباشر ولم تتدخل القوى السياسية الأخرى المشاركة في العملية السياسية الفاشلة لنزع فتيل الأزمة ,وحلها حلاً عملياً منطقياً دستورياً, فآثَروا النفاق والأنتهازية والسكوت إستغلالاً للفرصة وتأجيجاً للفتنة , فلربما يصب هذا بصالح هذا الحزب أو الطائفة تلك,دون مراعاة لمصلحة الوطن وإستقراره لأتاحة الفرصة لمحاربة الفساد والأرهاب وتحقيق أماني الشعب في بناء وطن أفضل يسوده الرخاء والحرية والسعادة. بل رَفعَ البعض سقف الخلاف إعلامياً مما تسبب في شرخ كبير في العلاقات التأريخية بين شركاء الوطن.
المنطق يقول إن العراق واحد. وإن أصبح الحكم فيه فيدرالياً.وإن عبارة المناطق المتنازع عليها هيَّ خطأٌ فادح إرتكبه من خَطَّ الدستور. ولا أدري هل كان هذا عن خبث أو غباء. فلم تكن هذه إلا مناطق مشتركة مختلطة, ولها مثيل في كل أنحاء المعمورة. وليس في العراق وَحده يعيش فيها الناس بتآخٍ وتحضر وتجانس إنساني . وعلى هذا ومن هذا المنطق لا يصٌح أن يكون به جيشان. ولا مانع يمنع من تحرك الجيش الأتحادي في كل أرجاء البلاد. ولكن الأخوة الكورد بسبب تراكمات الماضي, وعدم إطمئنانهم للشركاء ونواياهم, أو لطموحات بضم أراضٍ أخرى ,غير أرض الأقليم .هيَّ ما إستدعى الكورد لهذا التصرف وإن كان هذا غير مقبول منطقياً.
وجاء تحرك السيد رئيس مجلس النواب لتطويق الأزمة . ولكن مع الأسف لم تُحَل هذه الأزمة حلاً جذرياً نهائياً .بل رُحِلَت الى وقت آخر وأتُفِقَ على تشكيل قوات مُشتركة بين القوات الأتحادية و والبيشمركة وربما قوات أجنبية أخرى تُنتَدب لهذا الغرض .وهذا ترحيل للمشكلة لا حلاً لها لأن القوات المشتركة التي ينوون تشكيلها تعني وحدات من الجيش العراقي زائداً وحدات من البيشمركة . ولا تعني إن هذه الوحدات ستكون مختلطة والوحدة العسكرية تكون مُشَكلةً من أفرادٍ عرب وكورد وتركمان وبقية مكونات الشعب العراقي ,تحت علم العراق الموحد الواحد لكل العراقيين, لا أعلام مختلفة.والحل المطروح بتواجد وحدات غير موحدة من الجيشين هو ترحيل للأزمة وليس بحل جذري, فعند إنطلاق أية شرارة لخلاف جديد تعود وحدات الطرفين العسكرية وتصطف إصطفافاً قومياً أو طائفياً. ثُمَّ تعود المشكلة الى المربع الذي إنطلقت منه.
الحل الأمثل في أن تُسمى هذه المناطق مشتركة أو مُختَلطة و جيش العراق جيش واحد لا جيشان .فهذا هو المنطق.فلا وجود لأكثر من جيش في أي بلد فيدرالي ,أو إتحادي, وبلدان العالم المتحضر تشهد بهذا, وخير مثال الجيش الأمريكي. فليس لأية ولاية جيش يرفع علماً آخر حتى لو كان علم الولاية.ولكن هناك جيش أمريكي واحد تحت العلم الامريكي الفيدرالي.
من الأجدى التفكير برفد قوات البيشمركة بأفراد وعناصر من مكونات الشعب العراقي كافة, وبالمقابل رفد قطعات الجيش العراقي بأفراد وعناصر من البيشمركة. ليتلون الجيش العراقي بألوان شعب العراق وأطيافه .لا جيشاً يمثل طائفة واحدة ولون واحد.وهكذا تكون البداية لتوحيد الجيش ويكون فعلا جيشاً لكل الشعب لا لجزء دون آخر. جيشٌ ولاؤه للوطن كله لا لطائفة أو قوميةٍ أو حزب .وحينها يطمئن أخوتنا الكورد للنوايا.
هذه ليست الأزمة الوحيدة التي رُحلت ولم تُحل. فهناك قانون النفط والغاز, وقانون المحكمة الأتحادية ,وقانون الأقاليم والمحافظات, وقانون الأحزاب, وقانون الإنتخابات وفق مفهوم المحكمة الأتحادية. وبرز بشكل سافروأخطر في الأيام الأخيرة تصريح لمدير دائرة الهجرة في إقليم كردستان. بأن أي عراقي من غير الأقليم لا يحق له الأقامة في الأقليم, إلا عند حيازته على عقد عمل. وكأنَّ العراقي في دولةٍ أخرى. علماً إن العديد من الدول لا تطلب من العراقيين هذا العقد . وانا شخصياً أقيم في عدة دول لفترات طويلة ولسنين دون الحاجة لعقد عمل. وقد يستدعي هذا الأجراء الكوردي من بغداد إجراء مماثل بالتعامل مع الأخوة الكورد الذين يقيمون في باقي أرض العراق .ومردُّ هذا كُله الى عجز مجلس النواب وأَسْرِ قرار النائب, وإجباره على التصويت لما يريده رئيس الكتلة لا لما يراه.فهل تقِرُّ القيادات الكتلوية بخطئها, وتستحي من شعبها, وتُعيد النظر بسلوكها .أَمْ تستمر في الغَي الى المنُحَدَر؟ لأن ترحيل الأزمات لن يمنع من تفجرها مستقبلاً بشكل أخطر.
[email protected]