19 ديسمبر، 2024 12:19 ص

خطة مارشال الأمريكية

خطة مارشال الأمريكية

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت أراضي الأناضول عامرة بأشجار الزيتون. الشعب التركي والدولة التركية الحديثة المتشكلة آنذاك كانت تستفيد من هذه الأشجار في استخراج زيت الزيتون. لوفرة هذه الأشجار كان الشعب التركي يستهلك زيت الزيتون حصراً ولم يكن لهم الحاجة لاستيراد أي نوع من أنواع الزيوت الأخرى.
بعد الحرب العالمية الثانية وبقصد مساعدة الدول الناشئة قررت أمريكا إطلاق المساعدات إلى بعض الدول. حملة المساعدات هذه أطلقت عليها تسمية خطة مارشال والتي بدأت عام 1947 واستمرت حتى عام 1951م.
كانت تركيا إحدى الدول الستة عشر من التي شملت بهذه المساعدات.
الغاية المعلنة من هذه المساعدة كانت إنسانية بهدف دعم الشعوب والتي هي بحاجة إلى المساعدات حتى تتمكن من الوقوف على قدميها وإسناد نفسها وبأسعار مدعومة.
كانت أمريكا حينها منتجة لمستخلص الذرة وكانت مخازنها ممتلئة بهذا المنتوج. هدف أمريكا من تقديم هذه المساعدات في الحقيقة كان تخفيف مخازنها وإفراغها من مادة مستخلص  الذرة وتقديمه إلى الدول المشمولة بالمساعدة بذريعة التقرب الإنساني.
أمريكا اشترطت على الدول استلام مستخلص الذرة مع المساعدات المقدمة. حيث إن هذا المستخلص هو منتج ذرة طبيعي بالكامل يتم الحصول عليه أثناء مرحلة إنتاج نشاء الذرة ويستخدم كمادة خامة في صناعة الزيوت.
أصبح لدى تركيا الكثير من مستخلص الذرة مما اضطرها إلى إنشاء معامل لإنتاج السمن النباتي المستخلص من الذرة وبدعم أمريكي. وبما إن تركيا مكتفية بزيت الزيتون ولا حاجة لها بالسمن المستخلص من الذرة في حين أن أمريكا تريد صرف منتوجها بطريقة أو بأخرى، قامت الحكومة الأمريكية بتكليف مؤسساتها العلمية بإعداد تقارير تقول أن زيت الزيتون المغلي يكون سبباً أساسياً في الإصابة بمرض السرطان. هكذا بدأت التقارير تنهال على تركيا وسخرت أمريكا كافة الوسائل الإعلامية في الترويج للدهون المستخلصة من الذرة من جهة ومحذرين الناس من استهلاك زيت الزيتون من جهة أخرى. ولكون أمريكا متقدمة في العلوم كافة والكل يتبعها في ذلك، صدّق الناس بالتقارير الطبية وتركوا استخدام زيت الزيتون وتوجهوا إلى استهلاك زيت الذرة.
بدأت تركيا بقلع أشجار الزيتون كون دهن الزيتون السبب الرئيس في الإصابة بالأمراض السرطانية وثم قامت أمريكا نفسها بأخذ تلك الأشجار بذريعة تخليص تركيا من هذه المادة السرطانية. هكذا فقد غزا زيت الذرة الأسواق وبدأ الناس بتناوله وترك استخدام زيت الزيتون الطبيعي ذي الفائدة القصوى.
لم تكتفِ أمريكا في إقناع الناس بالتقارير الطبية المسيسة فحسب، حتى ذهبت إلى تأليف أغنية أصبح الأتراك يتغنون بها حتى يومنا هذا. لحن الأغنية يونانية وتم تكليف شاعر تركي لكتابة نص مناسب للفكرة يبين فيه مخاطر استخدام زيت الزيتون. ذاع صيت الأغنية وأصبحت متناولة على كل لسان، بل أصبحت أغنية الشعب التركي برمته يرددونه حتى في أعراسهم واحتفالاتهم.
لم تكتفِ أمريكا بغسل عقول الناس في تركيا للاستيلاء على زيت الزيتون ومصادرة الأشجار فحسب، بل ذهبت إلى تخويف الناس كذلك من استخدام الملابس القطنية. حيث أعدت تقارير طبية من مراكز طبية كبيرة تفيد بأن مادة القطن هي سبب رئيس في الإصابة بحساسية الجلد وأوصت هذه التقارير باستبدال الأقمشة القطنية بالأقمشة المنسوجة من مادة النايلون أو البلاستك. لذا فإن كلمات الأغنية تطرقت كذلك إلى القطن ومخاطره على الإنسان وصحته. كما لم تغادر كلمات الأغنية من اتهام الفلاح بالجهل بعد أن كان الشعب التركي يعتبر الفلاح سيد المجتمع.
فبدأ الناس صغاراً وكباراً يرددون الأغنية التي كلماتها تقول:
لن آكل زيت الزيتون
ولن ألبس الملابس القطنية
ولن أخاطب جاهلاً مثلك يا فلاح  بسيد القوم .
انكشفت المؤامرة بعد أن اكتشف العالم ما لزيت الزيتون من فائدة قصوى للإنسان وأن الملابس القطنية أفضل بكثير من النايلونية والبلاستيكية.
هكذا تمكنت أمريكا من بيع مستخلص الذرة ومن بيع الأقمشة الصناعية الرديئة لأعوام طويلة ضاحكة على الذقون ببث التقارير الطبية المزيفة وإعداد البحوث العلمية التي تحذر من زيت الزيتون ومن ارتداء الملابس القطنية. وما زال الحبل على الجرار وعلى المنوال نفسه وفي العالم بأسره.