19 ديسمبر، 2024 12:11 ص

خطبةُ إكمال الدين

خطبةُ إكمال الدين

ثَلاثةٌ وعشرونَ سنه, عاشها الرَسولُ الكريم” صلى اللهُ عليهِ وآله” هيَ مدةُ تبليغهِ للرسالةِ الإلهية.   تَحَمَّل فيها كلَّ أنواعِ الاضطهاد من كِباِر القوم, ظُلْمُ, افتراء, محاولةُ اغتيال, هجرةٌ وجهادْ, سنين فارقَ فيها السَندْ, فَقَد فيها الأَحِبةَ والخِلانْ, الحامي والشريكُ الوفي. لا لشيء دنيوي, بل لكي يقوم بواجبه الإلهي, رَغْمَ الصِعابِ والأهوالْ. فقد أُنزِلَ الوحيُ على قَلبهِ الشريفْ, عندما بلغَ “40”عاماً, بالرسالة ودين الحق, وفي آية من الآيات جاءه الأمر من العزيز الكريم”وأنذِرْ عَشيرتكَ الأقرَبين واخفض جناحَكَ لِمَنِ اتبعكَ من المؤمنين فإن عَصُوكَ فَقُلْ إني بريءٌ مِمّا تَعملون وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حينَ تقوم وتقلُبكَ في الساجدين إنه هو السميعُ العليم” وفي هذه الآيات الكريمة أمر واضح, للبيعة الصغرى.  قضى عمره(ص) مابين أحضان جده عبد المطلب, ثم عمُّه أبو طالب, وقد كانَ يُلقَّبُ مِنَ الجميعِ بالصادقِ الأمينْ, ومابينَ ليلةٍ وضُحاها, يُصبحُ عند القوم أنفسهم, ساحر كذاب وشاعر! وبينما كان حبيبا للجميع, نراه مطاردا منهم, ومن ألد من حاربه, عمهُ أبو لهبْ, حاصروهُ ومن تبعهُ في شعب يسمى “أبي طالب” ليضل هذا الاسمُ خالداً,معبراً شاهداً على عجزِ المشركين عن إقناعِ من تبعه, من آلِ هاشم وشباب قريش وغيرهم,
ثلاث سنين, مات فيها عمه السند المتين, توفيت زوجهُ خديجة الكبرى. وانتهى الأمرُ بمعجزه, فقد أكلتِ الأرضةُ ما اتّفقَ عليه زُعماءُ قريش, ولكنَّهُم لم يدَعوه, واضطُرّ للهجرةِ إلى أماكِنَ عده في الجزيرة العربية, إلى أن جاءهُ الأمر الرباني, هاجِرْ يا نبيَ الله إلى يثربْ, ومِنْ أجلِ سلامةِ الدين المتمثلِ بشخصِ المبلغِ الرسولْ, فقد عَقدَ المشركون العزمَ على قَتْلهِ, غدراً في الفراش. فنامَ ابنُ عمه مكانه لينجو, وصل البدر المنير, والمبشر النذير إلى الأرض الموعودة, فتغير اسمها إلى المدينة المنورة. ولحق الأسد الضرغام, مع رتل الفاطميات, ملتحقا بالنور المضيء بالرسالة. واستبشرَ المسلمونَ خيراً, فقد آخى بين المهاجرين والأنصار, واتَّخذَ علياً أخاً لهُ من دونِ المسلمين, في معركة بدر كما تقول الروايات أن من قُتِلُ بسيفِ علي من المشركين بلغ النصف, وفي معركةِ أحد كُسر سيفه, فأنْزَلَ لهُ جبرائيل سيف ذوالفقار ونادى “لا فتى إلا علي, لا سيفَ إلا ذي الفقار” أما غزوة الخندق فقد قال بحقه الرسول الكريم: اليوم خرج الإيمان كله, للشرك كله, وفي خيبر قال صلى الله عليه وآله : لأعطين الراية غدا لرجل كرار غير فرار, يحبه الله ورسوله, ويحب الله ورسوله, لم يُخذلَ في يوم من الأيام ولم يُهزَم.
بعد كل ما تقدم من التحمل, وسنين القتال وانتصار الإسلام وفتح المدن العاصية في الجزيرة العربية واليمن, في حجة الوداع خطب رسول الإنسانية وأوصى بكل ما خلق الله, من انس وحيوان ونبات, ولكن نزلت آية في طريق العودة, توقف على أثرها ركب الحجيج, في منطقة يقال لها “غدير خم”! آية تجعل الرسالة تامة بتبليغها فقط,”يا أيُّها الرسولُ بلغْ ما أُنزِلَ إليكَ من ربك, وإن لم تفعل فما بلَّغتَ رسالتك , واللهُ يعصِمُكَ من الناس”. ما هو التبليغ يا ترى؟ عن أي شيءٍ مهم يتكلم الوحي؟ هل كل ما عمل الرسول في (23 سنة) يعتبر لا شيء مقابل تبليغ واحد!؟ ما أهميته؟ توقف الزمن واشرأبت الأعناق, فنادى أشرف الخلق مبتدأً بحمد الله والاستعانة به والاستعاذة بالعزيز من شرور أنفسنا وسيئات الأعمال, عرج على إخبار المسلمين بأنه أوشك أن يدعى فيجيب, إشارة منه إلى قرب التحاقه بالرفيق الأعلى, وقد أشهدهم على الوحدانية والشهادة بالرسالة الحقة له, فشهدوا على ذلك, ثم رفع يد علي عليه السلام قائلا: من كنت مولاه فعلي مولاه, وأمرهم بالبيعة وتبليغ الغائب من المسلمين. وتمت كلمة الله في التبليغ حيث حمد الله وقرأ آية” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” وقال صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي. وهنأ المسلمون عليا, في مقدمتهم الشيخان أبو بكر وعمر كل يقول:   بخ, بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنه. ومضى المسلمون كلٌ إلى سبيله فرحينَ مستبشرينَ مع حُزْنِهم لقربِ فراقِ الهادي النذير, وهم لا يعلمون بما تخفيه قادم الأيام, فقد حسد يوسف إخوته ولابدَّ من حاسدٍ لكل ذي مكانة.                
[email protected]