23 ديسمبر، 2024 6:56 م

خطباء الجمعة والإساءة للدين!!

خطباء الجمعة والإساءة للدين!!

العديد من خطباء الجمعة يسيئون للدين , بما يبثونه من أفكار وتصورات وخرافات وضلالات وبهتان , يحسبونها من الدين الإسلامي , والقلة منهم يهتمون بالفكر الإسلامي الإيجابي الرحيم , وبجواهر أفكار القرآن الكريم.

فأكثرهم لا يجيدون سوى قال فلان وذكر علان , وروى فلان عن فلان , لتسويغ رؤى قهرية ذات نوازع إمتهانية إذعانية , لا تمت بصلة لدين العزة والكرامة والعقل والحرية والإنسانية والوحدانية.

فلا تجدهم يتحدثون عن الله تعالى وأخلاق الدين القويم , والسلوك الإسلامي السامي النبيل , ولا يتكلمون في الأخلاق والقيم الإسلامية , وإنما كل منهم يرى أنه يعرف الدين , وعلى مستمعيه أن يتّبعوا ما تحدثه به نفسه عن الدين.

هذه حقيقة قاسية دامغة وفاعلة في واقعنا الإسلامي المتعثر بذاته وموضوعه , وجميعنا يغمض عينا ويفتح أخرى , ولا يريد أن يواجه حقيقة المأساة بشجاعة وعقل وغيرة إسلامية وضمير طاهر نزيه.

فخطبة الجمعة مسؤولية أخلاقية إنسانية , ونشاط ثقافي توجيهي تربوي , يتكرر كل سبعة أيام لتنمية السلوك الحميد المعبر عن قيم الدين , وليس لتسويغ المآسي والتداعيات وإستلطاف الويلات والقاسيات , حتى ليمنع الإنسان من التفكير والعمل والشعور بالمسؤولية , فبعض خطباء الجمعة يجرّدون المسلم من مسؤوليته ويلقون بما يدور في بلاده على الله ورسوله , وفقا لآلية قال فلان وذكر علان.

ومنذ صباي أحضر خطب الجمعة , وفي مدينتنا كان هناك خطباء أجلاّء يتحدثون عن الخُلق الإسلامي والقيم الرحيمة ويشرحون الآيات القرآنية , وما سمعت من أحدهم كلاما فيه خَطل , بل أنك بعد كل خطبة تزداد معرفة باللغة والدين , وتفهم قيمة إسلامية إنسانية وآليات التعبير عنها بالسلوك والعمل.

وإستمعت للخطباء في مختلف مدن بلادي والدول العربية والأجنبية , وأخذت أقرأ في بعضها إتجاهات فكرية خارجة عن العصر , وخفايا ما تكنزه من غرائب وما تُسقطه من قيم ومعايير إسلامية منيرة , وما تأتي به على أنه الإسلام.

ذلك أنهم يتحدثون عن الشكليات ويهملون الجوهر واللب , والدرر الإسلامية البسيطة اليسيرة الطيبة , التي تجمع البشرية تحت خيمة الإنسانية والدين الذي جاء للناس كافة , فكيف يكون كذلك وخطباء الجمعة يحشرونه في أنفاق ضيقة وصناديق مغلقة , ويدثرونه بالخرافات والأضاليل , ويساهمون بإشاعة الأمية بأنواعها وخصوصا القرآنية.

وقد نشر أحد الأخوة المتخصصين بالتأريخ على صفحته بأنه سمع خطيب الجمعة يفسر ما يدور على أنه من علامات قيام الساعة , فأدهشني كيف يصدق ذلك ويساهم في ترويجه , وهو من ذوي الثقافة والمعرفة.

وما أكثر خطبهم التي تتناول قيام الساعة , وأن الدنيا من علامات نهايتها ما يدور اليوم في واقعنا وغيرها من التراهات , التي ينسبونها إلى مَن يحلو لهم أن ينسبونها إليه , وهذه العادة جرى عليها خطباء الجمعة الذين صاروا أبواقا للكراسي والسلاطين , وكما أشاعوا ذات الضلالة أيام حرق بغداد من قبل هولاكو , وحوّلوا المسلمين إلى خراف يجزرها التتار , وكأنهم يكررون ذات المعزوفة على منابرهم المشروخة بالجهالة والغفلة والأمية الإسلامية المدقعة.

وهكذا تراهم يبررون ما يحصل في المجتمع العربي والإسلامي على أنه من علامات قيام الساعة , وأن ثلثي المسلمين سيبادون وفقا لما توارد عن قال وقال من الكلام , الذي لا يتفق مع جواهر أفكار القرآن.

وأوهام قيام الساعة تتكرر في جميع الأماكن والعصور والأزمان , وخصوصا على ألسنة بعض خطباء الجمعة المغفلين المعصوبين البصائر والنواهي , والمسخرين لخدمة الكراسي وإشاعة البهتان , ويحسبونها فكرة إسلامية وما هي إلا فكرة عهدتها البشرية قبل ظهور جميع الأديان , وأن الحضارات القديمة قد تصورتها وتركت ما يدل عليها في آثارها.

وقيام الساعة مما تعنيه نهاية الحياة على الأرض , وهذا الموضوع يخضع لقياسات علمية وسلوكية تربط ما بين إرادة المخلوقات وتأثيراتها , التي ربما تزعزع التوازن الدقيق للنظام الشمسي الكوني الذي يجري بحسبان , ولهذا نظريات متنوعة وتصورات علمية معمقة , وهي تقاس بملايين القرون.

ولكن الوجود الكوني دوّار , وكل ما يدور لا تُعرف بدايته ولا نهايته , وتكون محصلة حركته سرمدية الطباع والقوانين , ولا يمكن إيقاف ما يدور وهو جزء في كيان مطلق محكم الإنضباط إلا بإنعدام الكل الذي ينتمي إليه , فلكل جزء شمسي تأثير على الكيان الكوني المتسع الآفاق , وهذا يعني أن الحديث عن نهايات الدنيا وفقا لتطورات مكانية وسلوكية في هذا المجتمع أو ذاك فيه الكثير من الغثيان والجهل والتسويغ لإنعدام الإرادة ومحق الإنسان.

فأعمار المنطومات الشمسية تقاس ببلايين السنين وليس بأيام الجاهلين والمُضللين , وما أكثرهم في كل معتقد ودين!!