22 نوفمبر، 2024 8:44 م
Search
Close this search box.

خطاب نوري المالكي .. دعوة للحرب بين الطوائف !!

خطاب نوري المالكي .. دعوة للحرب بين الطوائف !!

بداية لسنا بصدد الحذلقة حول معاني الخطاب وإظهار طبيعته ، كما لسنا بوارد التفلسف حيال أنماطه وإشهار خصائصه ، وإنما مقصدنا يتركز – في إطار هذه المقالة المتواضعة والمبتسرة – حول كل ما يقال كلاما”أو يقرأ نصا”، في سياق ظرف سياسي ملتهب وضمن نطاق مرحلة تاريخية حرجة ، مثلما هو الوضع المتفجر في العراق الآن ، عملا”بمقولة / حكمة لكل مقام مقال . والحال عن أي خطاب نتحدث هنا ، وما الغاية من هذا الحديث أصلا”، طالما إن العراقيين – بكل أقوامهم وبمختلف طوائفهم – باتوا فرسان الخطابات الراديكالية بلا منازع ؟! . ولتجنب رذائل اللف والدوران والمخاتلة نقول ؛ إن الذي حفزني لبث هذه الهواجس وطرح تلك مخاوف ، هو حديث السيد نوري المالكي مع مجموعة من القادة العسكريين والأمنيين ، أثناء زيارته الأخيرة لمدينة سامراء على خلفية أحداث الموصل وتداعياتها . فقد لفت انتباهي إن رئيس حكومتنا المبجل لم يراعي حالة المجتمع العراقي المعقد على جميع الصعد والمتأزم على كل المستويات ، كما لو أنه بركان موشك على نفث حممه المدمرة من شدة الغليان . ليس هذا فقط ، بل انه لم يأخذ بنظر الاعتبار استشراء مظاهر التوتر النفسي والاحتقان الطائفي والتحسس القومي ، التي أخذت تدفع بالطوائف والأقوام كافة باتجاه الاستقطابات على أساس الأصل / العرق ، والتخندقات على أساس الدين / المذهب ، والتمترس على أساس الثقافة / الهوية . وذلك جراء ما يحصل على أرض الواقع من تجاوزات مفتعلة واستفزازات مقصودة . إذ بدلا”من أن يكون حذرا”جدا”في اختيار ألفاظه حين بخطب ، ويقظا”جدا”في انتقاء كلماته حين يحاور ، بحيث لا تؤخذ دلالاتها التحفيزية مأخذ الإيحاءات السلبية التي تثيرها لدى السامع ، لاسيما وأن مصدرها يمثل رأس السلطة في البلاد وصاحب القرار فيها من جهة ، وان مخزون السيكولوجيا الاجتماعية التي بلغت فيها مستويات التعبئة والتجييش حدا”بات ينذر بالتفجّر من جهة أخرى . وبقدر ما حاول السيد المالكي جاهدا”أن يتمالك نفسه ويكتم سورة غضبه ويداري مظاهر عصبيته ، من خلال محاولاته إظهاره علائم الكياسة ورباطة الجأش التي هي من صفات القيادة الناجحة ، فإذا بلغة جسده السيميائية (حركات وإيماءات وإشارات) ، تزيح النقاب عن مقدار هائل من الاضطراب والتوتر الذي كان يرزح تحت وطأته على مدى تلك الجلسة . وبدلا”من أن يتحصن السيد المالكي – وهو يوجه كلامه لمستمعيه ومن خلفهم الشعب العراقي كله – خلف مظاهر رجل الدولة الحريص على إبعاد شبح الصراعات السياسية والمهاترات الحزبية ، باستعماله خطاب / كلام  يتصف بالحكمة والرزانة وسعة الصدر وبعد النظر . وبدلا”من أن يركز حديثه على استحضار عوامل لملمت شعث مكونات المجتمع العراقي الآيل إلى التفكك ، لمواجهة خطر الجماعات المسلحة الإرهابية والحيلولة دون تمكينهم من العبث بمصير البلاد والعباد ، من منطلق كون هؤلاء المرتزقة يستهدفون – تحت غطاء الدين والطائفة – جميع العراقيين بلا استثناء ودون تمييز ؛ بين دين (مسلم /مسيحي) أو مذهبي (شيعي / سني) ، أو قومي (عربي / كردي) . وبدلا”من أن يؤكد على استدعاء عناصر سمتنة المشتركات الوطنية ،  للحفاظ ليس فقط على تماسك أطراف الجبهة الداخلية وتقوية ممانعاتها الاجتماعية والنفسية ، حيال المحاولات الرامية إلى زعزعة أركانها وتقويض أسسها فحسب ،بل وكذلك إشعار الشعب العراقي كافة بمظاهر استتباب الأمن والاستقرار ، عبر تفعيل ديناميات التضامن بين مكوناته والتآزر بين عناصره ، دون الاعتبار للخلفيات التحتية والانتماءات الجانبية والولاءات الهامشية . نقول بدلا”من كل ذلك ، فإذا به يتقصد عامدا”الإشارة إلى ما نقل إليه على لسان العناصر الإرهابية عزمهم (بالزحف إلى بغداد لإسقاط حكومة نوري المالكي ، ومن ثم التوجه إلى محافظتي كربلاء (كذا) والنجف (كذا) لاحتلالهما – لا نريد أن نذكر تفاصيل ما تفوه به السيد المالكي أمام وسائل الإعلام ، خشية تأجيج المخاوف في النفوس وإثارة الهلع بين الناس – . وهنا تصل انفعالية خطابه درجاتها القصوى ، بعد أن خلع قناعه الرسمي وتخلى عن لياقته البروتوكولية . والحال لست أظن إن أحدا”ممن أصغى لمفردات ذلك الخطاب المعبأ بالتجييش الطائفي والمشحون بروح الانتقام ، لا يفهم مغزى ما يرمي إليه من تصعيد للعنف بين الطوائف ويحض عليه من تعميق للكراهية بين القبائل . ولعل هناك من يبرر له استعمال هذه اللغة المدججة بالحرب ، ويسوغ له استخدام تلك المفردات المصفحة بالقوة ، باعتبار انه يخوض في أتون أزمة خطيرة تتعلق بسيادة الدولة وأمن المجتمع ، لاسيما وانه القائد العام للقوات المسلحة من جهة ، ورئيس الحكومة الاتحادية من جهة أخرى . الواقع انه إذا كان من حق المالكي أو أي رئيس حكومة آخر يلجأ إلى لغة التهديد والوعيد في خطاباته وتصريحاته ولقاءاته ، باعتبار إن ذلك يمثل أسلوبا”من أساليب الحرب النفسية وشكلا”من أشكال الردع لإرادة الخصم ، فان ذلك لا يبيح له – في مطلق الأحوال – زج الرموز الدينية والوطنية في خضم عمليات الصراع ، خصوصا”إن كان هذا الصراع – بصرف النظر عمن يمثل جانب الخير أو الشر ، وينحاز لجهة الحق ضد الباطل – يجري بين مكونات الدين الواحد والمجتمع الواحد ، بلغت استقطاباتها الاثنية والمذهبية والقبلية والجهوية مستويات خطيرة من التخندق والتمرس . حيث إن تصرف كهذا لا يشكل فقط مدخلا”سهلا”لتعميق الانقسامات الاجتماعية وتوسيع الانهيارات الأمنية وتوتير الأجواء السياسية فحسب ، بل وكذلك يعتبر دعوة مفتوحة لشرعنة العنف المذهبي ، وإعلان صريح للحرب بين الطوائف !!! . 
[email protected]

 

أحدث المقالات