كلما واجهت إيران أو أي من أذرعها الإقليمية ضغوطاً سياسية أو عسكرية، أو حتى خسارات استراتيجية، نجد أن إعلام “محور المقاومة” يسارع إلى خلق سردية نصر وهمي. هذه السردية تكون غالباً مليئة بلغة دينية وعاطفية مبالغ فيها، حيث يتم تقديم الهزائم كإنجازات، والعزلة كصمود، والتراجع كخطوات إلى الأمام.
صحيح أن هذا النوع من الخطاب ليس بجديد، لكن في السنوات الأخيرة، أصبح الأمر بعيداً جداً عن الواقع، وهذا يصعب تفسيره إلا في سياق الدعاية النفسية الموجهة لجمهور “القطيع”، الذين تم تجهيزهم منذ زمن بعيد لتقبل هذه الرسائل دون أي تساؤلات أو منطق.
قبل فترة قريبة، وبعيد انعقاد أول لقاء في العاصة العُمانية مسقط بين المبعوث الأأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف وزي الخارجية الإيرلاني عباس عراقجي، انتشرت تدوينات ومنشورات تعكس ما يُشبه “نشوة النصر”. هذه المنشورات تُظهر طهران وكأنها تُملي شروطها على واشنطن، وكأنها في موقع قوة وكرامة. واحدة من هذه المنشورات، التي أثارت ضجة بين “الذباب الإلكتروني”، بدأت بعبارة: “حين يأتي المستكبر صاغراً متوسلاً شرف الجلوس إلى الشرفاء…”، وانتهت بعبارات تمجد إيران وقادتها كرموز للكرامة والعزة للمسلمين والعالم الحر.
ورغم أن هذه اللغة قد تبدو فصيحة ومنمقة، إلا أنها تكشف عن أزمة حقيقية يمر بها محور إيران. أزمة تتعلق بقبول الحقيقة، وأزمة سردية تعاني من الانهيار، تحاول البقاء من خلال إنتاج خطاب بطولي زائف.
الحقيقة أن إيران اليوم محاصرة دولياً، محملة بعقوبات اقتصادية خانقة، وتفقد أوراق نفوذها الإقليمي واحدة تلو الأخرى. حزب الله يعيش في عزلة داخلية بعد هزيمته عسكريا ومقتل معظم قادات الصف الأول والثاني والثالث، الحوثيونعلى ذات الخطى، حيث تحت يتعرضون لقصف جوي أمريكي غير مسبوق. كما فقدت إيران سوريا إذ تعود تدريجياً إلى حضنها العربي، أما الشارع العراقي فبات أكثر وعياً بخطورة النفوذ الإيراني.
في هذا السياق، يبدو من الطبيعي أن تلجأ طهران وأذرعها إلى خطاب عاطفي هجومي، يخلط بين الدين والسياسة، وبين الكرامة والتمرد، ليخفي الحقيقة عن الأنصار قبل الخصوم. فحين يفقد المشروع السياسي أدواته الواقعية، لا يبقى له سوى البلاغة والتلاعب بالمشاعر.
ما يُكتب اليوم في فضاءات الجيوش الإلكترونية لا يمثل إعلاماً حقيقياً، بل هو امتداد لغرف عمليات تتحدث إلى الغرائز، وليس للعقول، وتصنع نصراً لا وجود له إلا في مخيلة من صدّق الأكذوبة وكرّرها.
في النهاية، مواجهة هذا الخطاب لا تكون بالرد على كل منشور، بل من خلال فضح المنهج وتعريته أمام الجمهور العربي، الذي بدأ فعلاً يميّز بين من يدافع عن كرامته، ومن يتاجر بها تحت مسمى “الكرامة”.