23 ديسمبر، 2024 3:25 ص

خطاب تغيير القناعات

خطاب تغيير القناعات

يصعد إلى منابر الخطبة المهمة كل جمعة وكل مناسبة وعظ او احتفال اسلامي منتظم عشرات بل مئات وآلاف الخطباء يتوجهون بكلماتهم المسموعة بل الواجبة السماع إلى ملايين الناس حول العالم العربي والإسلامي والعالم المختلف معنا في العقيدة ايضا ، هذه الخطبة التي اعطي صاحبها أعظم الصلاحيات للتكلم بما يشاء محميا بوجوب الانصات وقدسية الأمر الإلهي بأن يأثم من لا يستمع اليه حتى ولو قال لصاحبه “صه”.
ولكن كيف استغل الدعاة والخطباء هذه الفرصة الكبيرة !، بإعادة قصص الماضي دونما موضوع مهم مستجد يقتضي الاستشهاد بحادثة مضت لسلفنا قد تعزز التوجه المقصود ، وبتلاوة أذكار ربانية وادعية مأثورة ، وتلك وان كان فيها كل الخير ولكن يمكن لأي طالب مبتدئ ان يقراها في الكتب بل وفي الصحف والمواقع ويسمعها في الجلسات ،
غاب عن الخطباء ان الصوت العالي وتكرار الأحداث والعبر والتغني بالغزوات والفتوحات لأناس من اسلافنا “صدقوا ما عاهدوا الله عليه” لن يجعلنا بالضرورة صادقين مثلهم ، ولن يؤثر بالضرورة في السامعين ، فمنهم من مل هذا الحديث رغم اعتزازه به وافتخاره ، ومنهم من  حفظه عن ظهر قلب ومنهم من يسمعه لأول مرة بحكم حداثة سنه ولكنه لا يكاد يفقه لماذا تساق له هذه الأحداث هنا ، ولماذا عليه ان يجتاز حر الصيف وبرد الشتاء ليصل الجامع فيسمعها من الخطيب صارخا مزمجرا بينما هي في متناول يده في حلقة دينية تلفزيونية او ضغطة زر واحدة على النت ،
الذي يجعل للخطبة شأنا في نفس المجتمع واثرا في طبيعة شبابه وفي تصرف كهوله وشيوخه هو خطاب الإقناع المصحوب بالأدلة المتسلسل بالمنطق والاستنتاج المحاكي لحاجات الناس وواقعهم والمتغلغل في تفاصيل معيشتهم ومعاناتهم وهمومهم -كل جمعة بل كل يوم- ثم رفده بمقتضب من سيرة الأولين بما يطابق الحالة الحاضرة او يشابهها من وجه ما .
الاصلاح والتغيير والتأثير لا يأتي من تكرار القصص ورواية الاخبار بل من اختيار أحوال واوصاف واحداث حاضرة تغير القناعات ، ولفت نظر المستمع المصلي إلى ما يجري حوله من تآمر عدوه وتخاذل صديقه ، حث الناس واستنهاضهم واقعا لا ماضيا واستذكارا ، طبع أثر في عقل الصغير يغير من سلوكه او يحفر في ذهنه الطريق السليم ، ينتشله فعلا من بين براثن الأشرار والمخربين الذين يحومون حوله ويشاركونه الصف والمدرسة وساحة اللعب والزقاق،
الاصلاح يكون باستغلال الخطبة لتكون تنبيها لكبير غافل منغمس في الدنيا يولغ في الرشوة والسحت والتملق لأهل الباطل وشهادة الزور عند الاختيار والانتخاب ، وامرأة تسمع في بيتها كيف ان تبرجها يهلكها دنيا وآخرة وكيف ان استرجالها وعصيان زوجها وتقليد جارات السوء هو الذي سيحطم حياتها ويخسرها آخرتها ، ويكون الخطاب مليئا بأدوات منطقية نفسية -من ابتكار وموهبة الخطيب نفسه لا منقولة ولا محفوظة- تكون مؤثرة في تغيير القناعة وتجديد المسار ،
كلمات تؤثر على المسؤول الجالس امامك في حرم الجامع والذي انسته الدنيا والسلطة عذاب الضمير وعذاب الآخرة الموعود ، كلمات واثباتات يخرج من تحتها مصدوما صاحيا مما هو فيه من سكر الحرام وغياب العقل ونوم الوجدان ، ان سرد الأحداث التاريخية واستعراض طبقات الصوت وقدرة النطق الصحيح وضبط النحو والتشكيل لا يقدم شيئا لنا ولا لأولادنا الناشئين ،
فأكثروا من تحضيريكم ودرسكم وتمرينكم وبحثكم وتطوير قدراتكم لتكونوا مؤثرين في تغيير قناعات الناس فيذهب ألمرء لبيته ترن بذهنه كلمات التغيير لا قصص التكرير،  فإن من حولكم تزاحمكم منابر مستحدثة كثيرة استأجرها الشيطان ومن سخرهم من الغربيين والشرقيين لإفساد الدنيا وتجهيل العامة وتخذيل المسلمين ، فكونوا سدا منيعا ومنجدا سريعا لأهل ملتكم، واني وان كنت كتبت عن هذا في مقال قبل سنوات باسم “خطبة الجمعة ،، الفرصة الضائعة” ولكني هنا اعيد المناصحة والتذكير  والى الله مولانا المصير {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.