23 ديسمبر، 2024 10:32 ص

خطاب المرجعية الدينية الأخير نذير أم بشير؟

خطاب المرجعية الدينية الأخير نذير أم بشير؟

كانت المرجعية الدينية في النجف الاشرف قد اعلنت موقفها في العديد من خطبها طوال اعوام مضت، من الوضع السياسي العراقي الراهن، وهي لم تنفك عن تقديم النصح والارشاد والتوجيه وتقديم المشورة للسياسيين والمسؤولين في الحكومة العراقية، من أجل انقاذ البلد وشعبه من الازمات والحروب والمشكلات التي تعصف به بصورة مستمرة دون توقف، وذلك بسبب التجاذبات والتناحرات التي تجري بين السياسيين انفسهم، وقد ادركت المرجعية الدينية ذلك، والشعب العراقي يدرك ذلك جلياً ايضاً.

وكان للمرجعية دورها الكبير والمتزايد في التأكيد على اهمية التغيير والاصلاح ومحاربة الفساد، وتزايد خطابها حدة وشدة على السياسيين والحكومة بعد حركة التظاهرات الشعبية التي عمت الشارع العراقي بعد 31/7/2015 ، بسبب الفساد المتفشي في اجهزة الدولة ومفاصلها، وفي السلطات الثلاث، تشريعية وتنفيذية وقضائية، وقد اعرب الشعب والمرجعية معه عن امتعاضهما ورفضهما الشديد من السلوك المنحرف للسياسي والمسؤول العراقي الذي وصل به الفساد الى تنامي طبقة سياسية مترفة بشكل فاحش ليس له حد او مثيل، وطبقة أخرى فقيرة ومعدمة تماماً، هذا الأمر استدعى الشعب الى محاولة التغيير وأصلاح الجانب السياسي الفاسد في الدولة، والذي ألقى بظلاله على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والحياتية للمواطن العراقي، الذي عانى الأمرين طوال سنوات، من شظف العيش، والفقر، والحرمان، وسوء التوزيع، وسرقة الثروات، والممارسة المستمرة في افقار الشعب العراقي، وتهجير ابنائه، وسرقة طاقاته وثرواته، سواء قبل 2003 او بعدها من قبل الحكومات المتعاقبة بعد التغيير.

لم تكن تلك الحكومات ملتفتة الى هموم الشعب العراقي ومعاناته وأزماته، والعمل الجدي على تحقيق تطلعاته وآماله والتخفيف من معاناته وحدة التوتر والازمات المتفاقمة يوماً بعد يوم، في كافة مجالات الحياة، بل عملت الحكومة على زيادة تلك المعاناة والمشكلات والازمات، وأدخال البلاد والعباد في دوامة مستمرة لا يستطيع الخروج منها، وكلما يعمل الشعب على تجاوز عقبة ما في حياته يضع الساسة والحكام ومن معهم، آلاف العقبات في طريق المواطن، وكلما خطا

خطوة للامام، وضعوا المئات من الحواجز والعثرات في عجلة تقدمه وحركته، واصبحت الحكومة وبصراحة شديدة اليوم تتحالف مع الاشرار والمافيات والجماعات المنحرفة من أجل اطالة امد وجودها وبقائها في سدة الحكم، ووصل الفساد الى حدٍ لا يحمد عقباه، ونخر في جسد المواطن والدولة العراقية ووصل الى سرطان مزمن لا يمكن ايقافه.

اعلن خطيب جمعة كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي في خطبة الجمعة بتاريخ 29/1/2016 بأن المرجعية (بح صوتها) في خطبها من تقديم النصح والارشادات والتوجيهات للحكومة والمسؤولين والسياسيين، ودعواتها المستمرة لمحاربة الفساد والارهاب، بكافة صوره وأشكاله، على مستوى البلاد عموماً، وفي الشأن السياسي تحديداً، وان الشعب العراقي لا يستحق تلك الاخفاقات الكبيرة من قبل ممثليه وحكومته، بل يستحق الشكر والعرفان والامتنان والعمل على اسعاده وتحقيق مستوى من رفاهيته وطموحه وآماله البسيطة التي لم يتحقق شيء منها، لا على المستوى الامني ولا على مستوى الخدمات. ودعت المرجعية وبمعيتها الشعب رئيس الوزراء للضرب على ايدي الفاسدين والمجرمين بيد من حديد، ولكنه الى اليوم يخشى ذلك، ويتذبذب في سياسته ويتعثر في خطواته، غير ملتفت لخطاب المرجعية ولا الى صوت الشعب الذي خوله وفوضه بالاصلاحات وقيادة المرحلة ومعالجة اخفاقات الحكومة والساسة والمسؤولين، ولكنه عاجز عن ذلك تماماً بسبب التحالفات والكتل السياسية المنحرفة والفاسدة الملتفة حوله، والتي لم يستطع الخلاص من قيودها وسيطرتها الحزبية المقيتة.

وقد قالت المرجعية مراراً وتكراراً وحذرت في خطبها ان صبرها له حدود، ولصبر الشعب حدود ايضاً، ولم ولن تستمر الامور هكذا سائبة دون حساب يذكر، وان المرجعية مهما أرخت حبل صبرها للحكومة والبرلمان والقضاء، لكنها ستشده بقوة وبحزم على رقاب الفاسدين والخونة الذين يصولون ويجولون دون حساب او عقاب. لقد أعلنت المرجعيه بعد جمعة واحدة، وبعد ان بح صوتها، أعلنت على لسان خطيب جمعة كربلاء السيد احمد الصافي في خطبة الجمعة بتاريخ 5/2/2016، بأنها تركت خطبها السياسية، لأنه لم يعد للأمر أهمية في حسبان السياسي والمسؤول في الحكومة، ولم تنفذ الحكومة والسياسي ما تصبوا أليه المرجعية وما تدعو له، من تحسين الحال، ومحاربة الفساد، وتغيير الوجوه الفاسدة، وحماية اقتصاد البلد، واشاعة ثقافة ولغة التعايش والتسامح والمحبة والتسامح، بدلاً عن ثقافة الكراهية والتطرف والطائفية.

فهل يُعد خطاب المرجعية بعد جمعتين، هو سحب الثقة من الحكومة العراقية وساستها، وأعطاء الشرعية للشعب في تحقيق مصيره والعودة للتظاهر والرفض الكلي للوضع المزري الراهن، أم ان هناك سياسة جديدة ستتخذها المرجعية في بيان موقفها الرافض من الحكومة، عن طريق

غلق بابها وعدم السماح للساسة والحكام بطرقه، وهل نعد ذلك الخطاب نذير من المرجعية للحكومة والساسة، من غضبها ومن سخط الشارع العراقي، وهل هو بشارة للشعب لأستكمال مسيرته البيضاء للدفاع عن حقوقه ومحاربة الفساد، وهل ستكتفي مرجعية السيد السيستاني وحدها بذلك الرفض وتلك الوقفة، أم ستتحد معها مرجعيات دينية أخرى لتشكل زخماً ودعماً وسنداً وحاجزاً كبيراً يقف بوجه السياسيين والفاسدين، ممن أغرقوا البلاد والعباد بفسادهم وفكرهم وسياساتهم العنفية والطائفية المقيتة، التي اقضت مضاجع الشعب العراقي بكافة فئاته وتنوعاته وتشكلاته، من أزمة سياسية الى أجتماعية الى أمنية وعسكرية الى أقتصادية ومالية وخدمية، والى المزيد من ذلك، والحكومة والسياسي العراقي لم يحرك ساكن ولم يلتفت لمعاناة المواطن وضياع الوطن، وكأنه في وادٍ والشأن والوضع العراقي في وادٍ آخر.

اعتقد ان المرجعية لم ترفع يدها عن الواقع العراقي والشأن السياسي الراهن، كلا فهي صمام أمان للعراق وشعبه، وهي أمل الشعب الوحيد في تغيير الحال وتحسين الواقع، ومثلما استطاعت المرجعية الحفاظ على البلاد من سيطرة الارهاب والمتطرفيين والمجرمين، في فتوى الدفاع والجهاد الكفائي، للحفاظ على البلد وأهله، وهب الشعب ملبياً النداء، سيكون للمرجعية وقفتها الجادة والحقيقية في محاربة حيتان الفساد ومعالجة الآفات والازمات السياسية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد والعباد، وستنجينا الى بر الأمان بأذن الله، فهي أملنا الوحيد الذي نتمسك به، وبمساندة الشعب الحر والاصوات النزيهة والايادي الطاهرة التي تدافع عن امن العراق وحمايته، باليد والسلاح والقلم والكلمة الصادقة، والعمل من أجل بناء بلدنا وتحقيق مستقبل زاهر لنا ولأبنائنا، وهذا لن يكون الا بتظافر الجهود ووحدة الكلمة والصف الواحد، في محاربة الارهاب والتطرف والكراهية والفساد السياسي والحكومي المستشري في كافة مفاصل الدولة وأجهزتها.