خطاب الكراهية على منصة إكس

خطاب الكراهية على منصة إكس

مع تسارع تطور مواقع التواصل الاجتماعي وتزايد عدد مستخدميها في العراق، الذين بلغ عددهم 31.95 مليونًا، ما يعادل 69.4% من إجمالي عدد السكان وفقًا لإحصائيات مركز الإعلام الرقمي، أصبحت منصة إكس (تويتر سابقًا) واحدة من أبرز التطبيقات التي يعبر من خلالها الأفراد عن آرائهم ويتفاعلون بشأن القضايا العامة في المجتمع العراقي، إلا أنها تحولت إلى انعكاس واضح للتوترات الاجتماعية والسياسية التي لا يمكن التغافل عنها من خلال توظيف أو استخدام خطابات الكراهية.
اذ أصبح خطاب الكراهية، الذي يتجسد في المحتوى المسيء والتحريضي ضد أفراد أو مجموعات بناءً على انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الاجتماعية، جزءًا من الحوارات اليومية على منصة إكس ومنصات أخرى اقل حدة مثل الفيسبوك وإنستغرام، حيث سرعان ما تتحول الحوارات في هذه المنصات إلى ساحة مفتوحة لتبادل الإهانات والتحريض الطائفي، خاصة في المناسبات الدينية والسياسية التي تزيد من حساسية المشهد في ظل الانقسامات الطائفية والسياسية الحاصلة.
وبالتالي فإن أي توتر سياسي أو طائفي يتطور بسرعة إلى معركة كلامية على هذه المنصات، مما يزيد من تعقيد هذه الظاهرة ويُفاقم حدتها هو استغلال بعض الجهات السياسية لهذه المنصات كأدوات لنشر رسائل تحريضية تخدم مصالحها الضيقة، والتي تطورت لتستهدف الناشطين والأقليات في البلد عبر توظيف الجيوش الإلكترونية.
لم تقتصر خطابات الكراهية على الصعيد السياسي والطائفي، بل انتقلت أيضًا إلى المشهد الرياضي، سواء في المنافسات المحلية لكرة القدم أو في المسابقات بين الفرق العربية، حيث تتصاعد الحوارات بين جماهير الأندية إلى مجادلات حادة وأحيانًا شتائم، مما حول الأجواء الرياضية إلى ساحة للصراعات بدلاً من كونها ميدانًا للتسلية والتطور الرياضي.
لا تكمن خطورة هذا الخطاب في كونه ظاهرة مجتمعية فحسب، بل تتضاعف عندما يُمارس من قبل شخصيات سياسية وعامة أو قادة رأي، الذين بدلاً من أن يكونوا مثالاً يُحتذى به في نشر التسامح وبناء الحوار الإيجابي وتعزيز النقاش الفكري، يتحولون إلى أدوات لنشر الكراهية، وقد اتضح ذلك بشكل بالغ في الآونة الأخيرة في سياق التفاعل مع التحولات الإقليمية في المنطقة، حيث يشارك هؤلاء في نشر خطاب متطرف غير مبالين بعواقبه، التي قد تنعكس سلبًا على الشارع العراقي، الذي سبق ودفع ثمنًا قاسيًا نتيجة العنف والكراهية، حيث أدى العنف إلى مقتل نحو (112) ألف مدني على الأقل وفقًا لمنظمة ‘إيراك بادي كاونت’ البريطانية منذ احتلال القوات الأميركية للعراق ولغاية عام 2013.
ان الآثار السلبية والكارثية التي يخلفها هذا الخطاب على المجتمع العراقي تتطلب استجابة شاملة ومتعددة الأبعاد، تجمع بين تشريعات صارمة تجرم التحريض وخطاب الكراهية مع ضمان تطبيقها بعدالة وشفافية، وبين وضع إجراءات رادعة لقادة الرأي وناشطين أو حتى أفراد إذا ما قاموا بالترويج لهذا الخطاب، من خلال حملات رادعة تُشابه حملة مكافحة المحتوى الهابط التي أُطلقت سابقًا من قبل وزارة الداخلية العراقية.
من المهم أيضًا مراعاة الجانب التقني في مواجهة خطاب الكراهية، وذلك من خلال الضغط على إدارات منصات التواصل الاجتماعي لاعتماد سياسات أكثر صرامة تجاه المحتوى المحرض، باعتباره جزءًا أساسيًا من الحل، بدلاً من حجب تطبيقات سينمائية تحت ذرائع أخلاقية، كما لو أن التطرف والكراهية أقل خطورة من اثار الافلام الإباحية على المجتمع العراقي.
كما يجب على المنظمات المجتمع المدني المحلية أن تقوم بدور فعال في تنفيذ حملات توعية مجتمعية لتعزيز قيم التسامح واحترام الاخر، مع توجيه جهود خاصة لتثقيف قادة الرأي والناشطين حول الاستخدام المسؤول لمواقع التواصل الاجتماعي، وتشجيعهم على أن يكونوا عاملًا إيجابيًا في تهدئة التوترات وتحفيز النقاشات البناءة، وذلك من خلال تنفيذ هذه برامج أو اقتراحها للمؤسسات المعنية في الحكومة لتطبيقها واعتمادها.
بناءً على ما سبق، يصبح من الضروري تقديم استراتيجية وطنية جديدة وشاملة تهدف إلى الحد من التطرف والكراهية وتعزيز ثقافة رقمية واعية تساهم في الحفاظ على استقرار العراق وتعزيز تماسكه الاجتماعي، من خلال إعادة تقييم مدى فعالية ونجاح المشاريع التي نفذتها المنظمات الدولية والمحلية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية في مواجهة التطرف في السنوات السابقة، والتي من أبرزها مشاريع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق ومشاريع المنظمة الهجرة الدولية، الإضافة إلى ضرورة أخذ التحولات الرقمية التي ساهمت في تكريس هذه الظاهرة بعين الاعتبار، والاستعانة بالخبراء المختصين من الكفاءات الوطنية لتطوير هذه الاستراتيجية بما يتناسب مع خطورة هذه الظاهرة.