اليهودية والمسيحية والإسلام هي الأديان التوحيدية الكبرى لم تُطرح جميعها بنفس التصور الأخلاقي حول “الآخر”. ففي نصوص “العهد القديم” أو ما يُعرف بالتوراة عند اليهود، نجد أوامر قاطعة بقتل “الآخر” واستئصاله حتى مع نسائه وأطفاله وزرعه. ففي سفر سفر يشوع وردت أوامر منسوبة إلى الرب زوراً بخصوص إبادة الشعوب الكنعانية مع عبارات صريحة: “لا تستبق منهم نفساً”. هذا الخطاب يعكس ثقافة دينية ـ سياسية ارتبطت بظرف تاريخي حيث كان الدين يتماهى مع مشروع قومي – توسعي، وجعل من الإبادة وسيلة لـ”تطهير الأرض” من المخالفين.
في المقابل، يقدم القرآن الكريم تصوراً مختلفاً للعلاقة مع “أهل الكتاب”. فالخطاب القرآني في جوهره يدعو إلى الحوار والتعايش: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ . كما أنه لم يفرض حرباً على أساس العقيدة بل ربط القتال بالعدوان. حتى الجزية التي يُثار حولها جدل، فُهمت في إطارها التاريخي كبديل عن التجنيد العسكري وكجزء من النظام المالي لا باعتبارها إذلالاً أو قهراً.
رغم وضوح هذا المنهج، ظهرت في بعض التوجهات المسيحية – خصوصاً عند التيارات الإنجيلية الصهيونية – خطابات عدائية ضد المسلمين وتم تسخيرها بشكل كبير بعد احداث تفجير الأبراج عام ٢٠١١ في نيويورك تصوّرهم كأعداء الحضارة أو “أبناء هاجر المطرودين”، وتربط وجودهم بالإرهاب والعنف. هذه الخطابات استُخدمت لتبرير الاحتلال الإسرائيلي ودعم السياسات العنصرية ضد العرب، متكئة على موروث “شعب الله المختار” وعلى نصوص التوراة الحرفية المحرفة. وهكذا نجد أن بعض الكنائس الصهيونية المعاصرة تسقط الرواية التوراتية القديمة على الحاضر السياسي مما يخلق خطاب كراهية عابر للأديان.
المفارقة أن بعض المسلمين انجروا هم أيضاً إلى خطابات كراهية مشابهة حيث اعتبر بعض الخطباء أن “الآخر” سواء كان من المسيحيين أو حتى من المسلمين المختلفين في المذهب هو هدف مشروع للعن والدعاء بالهلاك. وهذا يتناقض مع جوهر الإسلام الذي قدّم قاعدة عامة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ . ولعل أخطر ما أصاب الوعي الإسلامي تأريخياً هو ما فعله الأمويون حين حولوا الخلاف السياسي مع الإمام علي وشيعته إلى معركة عقائدية ففرضوا سبّه على المنابر وشيطنوا أتباعه مما زرع بذور الفتنة المذهبية التي ما زالت آثارها قائمة إلى اليوم. لقد كان ذلك أول توظيف للمنبر الديني كأداة للسلطة السياسية لتبرير القهر والتضليل باسم الدين. هذه الفتن المذهبية زادتها الاسرائيليات والدور الخبيث السياسة البريطانية في منهج ” فرق تسد “
من هنا تتضح المفارقة الكبرى: بينما يطرح القرآن رؤية للعيش المشترك تقوم على البر والقسط والعدل، فإن بعض القراءات المنحرفة – سواء توراتية صهيونية أو إسلامية متطرفة – تحوّل الدين إلى أداة للكراهية والقتل الرمزي أو المادي. وعليه، فإن التحدي أمام المسلمين اليوم هو أن يستعيدوا المعنى القرآني الأصيل في مواجهة خطابين متشابهين في جوهرهما: خطاب صهيوني مسيحي معادٍ، وخطاب إسلامي مزيف متأثر بالسياسة والجهل.
بغض النظر عن المعتقدات الفكرية فإن المقارنة بين هذه النصوص والخطابات تفرض علينا وعياً نقدياً مزدوجاً: رفض التوظيف الاستئصالي للتوراة في سياق الاحتلال، ورفض استنساخ منطق الكراهية داخل الإسلام ذاته. فالدين في حقيقته دعوة إلى العدل والسلام أما الكراهية فهي صناعة سياسية وأداة للهيمنة لا تمت للرسالات الإلهية بصلة.