22 ديسمبر، 2024 5:10 م

خطاب الكراهية الخطير!

خطاب الكراهية الخطير!

يبقى خطاب الكراهية يثير المخاوف بعد ان ارتفع ضجيجه في الاشهر الاخيرة واتسعت مدياته. وقد اعتمد الخطاب هذه المرة البعد القومي الشوفيني والتعصب وضيق الافق القومي اساسا له، فيما لم يشف بعد من تأثيرات الطائفية المقيتة. وها هو الفكر الشوفيني والعنصري يضرب اطنابه في عمق الثقافة والوعي الشعبي، حتى لتبدو جذوره عميقة لا يسهل اجتثاثها. لا سيما وان المتنفذين وسياسيي الصدفة يعملون على ادامته وتصعيده، باعتباره احد اسس تكريس وجودهم في السلطة، واعادة انتخابهم مرة اخرى.
وهكذا والى جانب المحاصصة والمال السياسي الذي مصدره الفساد، يبقى الفاشلون يحكمون العراق.
ثم ونحن نتابع بعض وسائل الاعلام العربية والكردية ومواقع التواصل الاجتماعي، نلاحظ سعير خطاب الكراهية بلغته المخيفة، يطغي ويقمع اصوات الاعتدال والعقلانية والسلم المجتمعي والحوار. هذه الاصوات التي تُحاصَر وتكاد لا تُسمع جراء تصاعد صخب الاحقاد والتعصب القومي، الذي يتسع طرديا مع اقتراب موعد اجراء الاستفتاء.
وقد اثارالاستفتاء الذي دعى اليه رئيس الاقليم مسعود البارزاني، جدلا في الاوساط السياسية العراقية، وبضمنها الاحزاب الكردستانية، بل وشغل الشعب العراقي بكل طبقاته وشرائحه. فيما وقفت الدول الاقليمية والاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية والامم المتحدة بالضد منه، او طلبت تأجيله على اقل تقدير.
بطبيعة الحال جاءت الدعوة للاستفتاء على خلفية فشل النظام السياسي، الذي اقامه المتنفذون، وبضمنهم القادة الكرد، على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية.
وسوف لن تكون موضوعة الاستفتاء في اقليم كردستان وتداعياته، آخر المخاطر التي تهدد وحدة العراق. فكثيرة هي المشاكل المتراكمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، والعالقة طوال هذه السنوات، ومنها قضية تنفيذ المادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، بمراحلها الثلاث: التطبيع والاحصاء والاستفتاء، وقانون المحكمة الاتحادية، والمجلس الاتحادي، وقانون النفط والغاز، وانتاج النفط وتسويقه واسعاره، وموضوع الميزانية وغير ذلك. وقد بقيت المشاكل عالقة رغم سعة التمثيل الكردستاني في السلطات الثلاث، سلطة القضاء ومجلس النواب ومجلس الوزراء، كذلك رئاسة الجمهورية.
لقد عجز نظام المحاصصة عن حفظ ما سمي (الشراكة الوطنية) وفشلت التحالفات التي بنيت على خلفية طائفية اثنية، ومنها (التحالف الشيعي الكوردي). فالمحاصصة تُضيّق وتُقسم، وقد شطرت تحالفات المتنفذين وكتلهم البرلمانية. بل ولم تحفظ وحدة احزابهم، لهذا فليس بمقدورها حفظ وحدة العراق، إن لم تكن عاملا في تهديد وحدته ونذيرا بتقسيمه.
ان خطاب الكراهية المتصاعد لا يكتفي بتحريك المشاعر البدائية، واثارة الاحقاد القومية، انما يرافقه تصعيد في التهديدات العسكرية المتقابلة، التي يطلقها تجار الحروب، وكأن العراق لم يعانِ من الحروب الخارجية والداخلية، ولم تثخن جراحه. ولا تزال الذاكرة طرية وهي تحمل الصور الكارثية للسنوات العجاف التي دارت فيها المعارك في اقليم كوردستان، سواء مع الحكومات العراقية قبيل 2003، او في ما بين الاحزاب الكردية ابان حقبة التسعينات في ما كان يعرف باقتتال الاخوة. ولا بد من التذكير ايضا بالاقتتال على الهوية الطائفية، الذي كاد يشعل حربا طائفية داخلية!
ان من غير المتوقع ان يُحسَم موضوع الاستفتاء ولاحقا ربما اعلان دولة كردستان، من دون ان يترك ندوبا وجروحا، وقد يلهب حروبا كتلك التي لم يجنِ منها الشعب العراقي والشعب الكردي غير الخسائر البشرية والمادية، التي كان ولا يزال يمكن استثمارها في البناء والتعمير واطلاق التنمية المستدامة التي تسهم في تأمين عيش رغيد وكريم للعراقيين.
وما زالت الدعوة قائمة للجلوس الى طاولة الحوار، ودرء التداعيات المنذرة بالشؤم. وتبقى الحاجة ماسة اليوم، واكثر من اي يوم سابق، الى سماع صوت العقل والحكمة والاعتدال، والحيلولة دون تكرار تجارب الصراعات العبثية، والقتل المجاني. فصوت السلم والامان والاستقرار والبناء والتنمية، هو ما يتطلع الناس الى سماعه، وليس قرع طبول الحرب.
لكن التهديدات وإثارة المخاوف، ستبقى ماثلة ان لم يتم بناء دولة المواطنة على انقاض دولة المحاصصة، التي عم فيها الفساد وتسيّد زعماء الشر.