الخطاب الاخير للسيد رئيس الوزراء حيدر العبادي قبيل سفره الى ميونخ وضعه في موضع التساؤل والشبهة ، اذ مثل هكذا خطابات وتصريحات لا بد أن تعتمد لمعايير سياسية ومنطقية ، وتتسق وطبيعة المرحلة التي يمر بها العراق والمنطقة عموماً ،إذ الدعوة الى تغيير الحكومة ، بحكومة أخرى تكون تكنوقراط فيها نوع من النوايا المبيتة ، ولا تعتمد الرؤية الواقعية للأحداث ، والعلاقة بين الكتل السياسية عموماً ، إذا اخذنا بنظر الاعتبار فقدان الثقة بين المكونات الرئيسية للشعب العراقي ، والصراع الدائر في العراق تحديداً ، والذي يدور حول مسك الارض ، من هذه الجهة او تلك ، وتحرك داعش بأجندة طائفية ، يجعل احتمالات الصراع مفتوحة وبكافة الاتجاهات .
السيد العبادي نظر الى الاحداث من زاوية السخط الذي ابدته المرجعية الدينية العليا ، في محاولة منه في اعادة هذه العلاقة الشكلية بين الحكومة وبين المرجعية الدينية ، والتي لم تشهد اي ترطيب للأجواء بينهما ، اذ تعرضت الى الكثير من الاهتزازات ، وفقدان الثقة والسخط والرفض للأداء الفاشل ، والتغاضي عن الفساد المشتري بين مؤسسات الدولة كافة ، وحماية رؤوس الفساد ، وحيتان السرقة ، وعصابات نهب اموال الدولة ، وحتى بعد تولي السيد العبادي لمهامه كرئيس حكومة يمتلك كافة الصلاحيات ، نراه عمل على اجراء تغييرات شكلية لا تمس شبكات التمدد الحزبية والفئوية لأفراد حزبه وائتلافه ، بل راح الى اجراء مناورات شكلية في المناصب ، وإرضاء هذا وذاك ، دون أي تغيير جوهري على بناء الدولة ومؤسساتها ، الامر الذي جعل الجميع يشعر بخيبة الآمال من حصول اي تغيير في الواقع السياسي ، والذي انعكس بالسلب على الجانب الاقتصادي وما رافقه من هبوط اسعار النفط ، الامر الذي جعل جميع خيوط الوضع في البلاد يسير نحو القطع والفلتان .
سنأخذ نوايا السيد العبادي على محملاً حسن ، وهنا نتساءل أذا كان الاخير يدعو الى تكنوقراط فبطبيعة الحال يجب ان يكون رئيس هذه الحقيبة ايضاً من التكنوقراط ، فلا يجوز ان يكون على رأس هذه الحقيبة شخص متحزب ، وإلا لم نحقق شي في هذا المجال ، وسنعود الى المربع الاول ، وهو ما يمثل تخريب للتعدية السياسية في البلاد ، ومنع أي تصدي الحزب الواحد الادارة البلاد .
كما كان الاولى للسيد العبادي قبل خطابه أن يعمل تحت غطاء مجلس النواب ، وذلك لكي يقف امام شعبه ومسؤوليته ، وهو مدعوماً سياسياً ومن جميع الجهات ، كما يجب ان يعرف الجميع ما هو المعيار الحقيقي لصفة المستقل ، والكل يعلم لا يوجد شي اسمه مستقل ، فإما ان يرتبط مباشرة بالحزب او يكون من خلال ارتباطه الغير المباشر ، والذي هو في كل الاحوال ” ذر الرماد في العيون ” ، ولماذا حزب السيد رئيس الوزراء دائماً هو المتصدي ، وهو من استحوذ ويستحوذ على جميع مفاصل الدولة ، ومن يريد المراجعة في مناصب الدولة سيجد ان اغلب المناصب السيادية والهيئات والوكالات والمدراء العامين هم من حزب الدعوة تحديداً ، فهل هو استحواذ على مقدرات البلاد ، والتمهيد للسلطة المركزية ، وضرب التعددية بحذاء الحزب الواحد ام ان الامر لا يعدو كونه تجذير سلطة ، وتهميش أدوار الشركاء في التحالف الشيعي .
السؤال الاكثر دقة لماذا الفشل ينصب على الوزراء انفسهم ، ورئيس الوزراء يكون في حصن حصين من المساءلة ، الم يعد هو صاحب هذه التشكيلة الوزارية ، وهو من يقودهم ، ثم اليس القرارات في مجلس الوزراء تجري بالتصويت ، وان صوت رئيس مجلس الوزراء هو قطب الرحى في القرارات المصيرية للبلاد ، لهذا أي خلل في وزارة او تراجع في اداء يتحمل الجميع مسؤوليتها ، وكان يفترض ان يكون هناك تغيير جوهري ليس في الافراد ، بل في السياسات الارتجالية والتابعة لأهواء حزبية ، والتي اضاعت البلاد والعباد ، وان يكون هناك تقييد للأداء الحكومي ، والوقوف على نقاط الخلل ومعالجتها ، ومحاربة الفساد والمفسدين وملاحقتهم قانونياً ، وإنهاء النفوذ الحزبي ومن جميع الجهات ، ليمارس مجلس النواب دوره الرقابي والتشريعي ، وتفعيل دور القضاء ، وطرد المفسدين منه ،والبدء بأعمار مؤسسات الدولة ، ليس اعماراً شكلياً ،بل اعمار النفوس ورسم السياسات وما يحقق الرفاهية والعدل والمساواة في بلدنا الجريح .