جاءت كلمة السيد مقتدى الصدر في مناسبة ذات بُعد وجداني عميق – ذكرى استشهاد والده – لكنها لم تكن خالية من الرسائل السياسية المباشرة والمبطنة خصوصا في ظل المشهد العراقي المأزوم حيث تتقاطع الانقسامات السياسية مع الاحتقان الشعبي .
أولا : تجديد موقعه كقائد إصلاحي لا تابع سياسي
السيد الصدر أعاد تأكيد موقعه كزعيم إصلاحي “فوق” الاصطفافات السياسية التقليدية مصرًّا على الطابع الشعبي والعابر للطائفية لمشروعه من خلال تأكيده أن “لا إصلاح بلا وحدة” يطرح نفسه كقوة جامعة، في مقابل أحزاب تسعى وراء المحاصصة والتكسب السياسي ، هذه الرسالة تتزامن مع تراجع ثقة الشارع بالأحزاب التقليدية ما يعزز رصيده في الرأي العام.
ثانيا : تحذير ضمني للقوى الحليفة والخصمة
كلمة الصدر احتوت على رسائل مزدوجة :
للقوى الحليفة داخل الإطار الشيعي : بأن التيار الصدري لن يعود إلى تحالفات مشروطة أو تابعة او مؤدلجة من خارج الحدود .
وللخصوم السياسيين خصوصا من داخل منظومة الحكم : أن أي مشروع سياسي لا يتضمن إصلاحا جذريا ووحدة وطنية هو مشروع فاشل ومرفوض .
تحذير الصدر من ” التبعية والتناحر” لم يكن موجها فقط للخارج بل أيضا للداخل السياسي الغارق في الصراع على النفوذ .
ثالثا : خطاب تصعيدي ناعم .. أم تمهيد لعودة سياسية ؟
رغم انسحابه السابق من العملية السياسية فإن الصدر لم يغادر المسرح تمامًا. خطابه الأخير قد يشير إلى مرحلة تمهيدية لعودة تدريجية إلى المشهد إما عبر تعبئة الشارع أو عبر تحالفات جديدة بشروطه عبارة “لا إصلاح بلا تضحيات” قد تقرأ كرسالة للأنصار بأنه قد حان وقت التحرك وأن المرحلة المقبلة تتطلب صبرًا ومواقف صلبة .
رابعا : اختبار لجدية الخصوم في الإصلاح
من خلال رفعه لسقف الخطاب الإصلاحي، يدفع الصدر الأطراف الأخرى – خصوصا القوى المتهمة بالفساد – إلى إظهار نواياها إن كانت فعلًا مستعدة للإصلاح أم أنها تناور لكسب الوقت إنها بمثابة “فضح سياسي ناعم” لمن يتحدث عن الإصلاح دون التزام حقيقي به .
خامسا : الرهان على الشارع مجددًا
كلمة الصدر لم تكن موجهة للنخب السياسية فقط بل أيضًا إلى الشارع العراقي خاصة جمهور “اللا منتمين” الذي تراجع حماسه بعد فشل الاحتجاجات في إحداث تغيير جوهري الصدر يدرك أن التغيير الجذري لن يأتي من داخل النظام، بل من ضغط الشارع، وهذا ما يظهر في تركيزه على ” التضحيات ” .
أخيرا … السيد مقتدى الصدر يحاول في هذه الكلمة أن يعيد ضبط بوصلته السياسية والإصلاحية، بعد أشهر من الغموض والتراجع الظاهري.
إنه خطاب يجمع بين الوفاء لرمزية والده الشهيد والتحضير لمرحلة سياسية جديدة قد تتسم بالتصعيد أو بإعادة تموضعه كـ”ضمير حي” داخل المشهد العراقي ، لكن الأهم أنه يضع الجميع أمام معادلة صعبة : إما الوحدة والتضحية من أجل الإصلاح، أو البقاء في دائرة الفشل والانقسام