23 ديسمبر، 2024 11:38 ص

خطاب الدولة الغائب..!

خطاب الدولة الغائب..!

عَجّتْ الساحة السياسية العراقية، خلال السنين الماضية، بالخطابات الفئوية والطائفية والحزبية، وعندها غاب أو غُيبَ، الخطاب الوطني عن مسامع العراقيين، وبالنتيجة أثر ذلك على المجتمع العراقي، تأثيراً سلبياً مباشراً.
نتذكر خطابات السنين التي تلت التغيير، كيف سادتها الطائفية والمذهبية، ويظهر ذلك جلياً، بخطابات عدنان الدليمي عندما يقول: “أن هذا -الصراع- ليس صرعاً طائفياً! والله إنها في أوج الطائفية…” ويستمر في خطابه ويوجهه للعرب ويقول: “أيّ عراق هذا؟ عراق الشيعة؟ سيتحول العراق إلى شيعي، أين الكويت؟ أين السعودية؟ أين الأردن؟…”  
عدنان الدليمي كان ممثلا للمكون السني، وبالتالي للمتابع أن يتخيل، المناخ السياسي في العراق، خلال تلك الفترة، كيف كان مشحنوناً بالمذهبية والفئوية، وهذا الخطاب الممزوج بالطائفية، والذي يدعو جهارا لتدخل الدول “السنية” في شؤون العراق، حتى لايصبح عراق شيعي حسب وصفه، يمثل إعلان حرب طائفية على الشيعة، وكأن الشيعة ليسوا بعراقيين!
لاننسى خطابات المالكي ومواقفه، التي كانت بعيدة عن الوحدة ولم الشمل، بل غَلب عليها التهديد والوعيد، بدأً من “منو يكدر يأخذها حتى ننطيها” وإلى مقولته في حادث مقتل الإعلامي محمد بديوي “انا ولي الدم” وكأننا في صراع عشائري متخلف، لايلتزم بقانون الدولة ولا بدستورها، وكان يفترض به -المالكي- أن يكون الداعم الأول للقانون، والراعي الرسمي له!
ليس انتهاءً بخطابات المنصات، التي جرّت كل هذا الخراب على العراق، ونتذكر جيداً خطاب أحمد العلواني، حين تهجم على الشيعة، ووصفهم بالصفويين، وتوعد بتحرير العراق من العملاء والخونة، وهو بذلك يقصد الشيعة، ومن على نفس المنصة، تهتف الجماهير وشيوخها، بشعار القاعدة الإرهابية ” إحنا تنظيم، اسمنا قاعدة”! هذه الخطابات الطائفية؛ كانت تصدع بها مسامع العراقيين ليلاً ونهارا، وهي بذلك لم تجلب للشعب إلا مزيداً من الطائفية والفرقة، بين أبناء البلد الواحد.
ظل خطاب الدولة، يراوح مكانه خلال سنين الطائفية البغيضة، لأن الخطاب الفئوي والمذهبي، يحشد الجماهير عاطفياً أكثر من غيره، بالتالي كسبها -الجماهير- والوصول للسلطة من خلالها، لكن النتيجة التي كانت متوقعة حسب قاعدة” النتائج تتبع المقدمات” هي تمهيد هذه الخطابات الطائفية، لتدخل كل دول المنطقة في شؤون العراق، فكل دولة تدعم فئة ما، وكذلك دخول الإرهابيين، بحجة الدفاع عن أهل السنة، فصار البلد مرتعاً لخلايا الإرهاب الدموي.
اليوم وبعد كل هذه التجارب المأساوية، التي كان سببها بروز الخطاب الطائفي، على حساب الخطاب الوطني، يبدو أن المواطن قد نفر من تلك المرحلة، وبات أكثر وعياً، ولأن “التجربة خير برهان” فقد جرّب الشعب كل المواقف الفئوية والحزبية، وكانت نتائجها انهار من الدماء، وآلاف من الشهداء.
تبرز خطابات السيد عمار الحكيم للساحة مجدداً، فهو لم يعرف عنه الموقف المذهبي أو الطائفي، فقد ظل خلال سنين، متمسكاً بخطابه الوطني، والذي لم يتقبل منه خلال مرحلة التوهج المذهبي، لكنه بقي على ما هو عليه، واليوم وبعد انتخابه لرئاسة التحالف الوطني، الذي يعد الممثل لأكبر مكون عراقي، فقد أكد الحكيم موقفه الوحدوي والوطني، الداعي لبناء الدولة على أساس المواطنة، التي تجمع ولا تفرق بين العراقيين.
كان خطاب العيد للحكيم، وكأنه بداية لعودة خطاب الدولة الغائب، الذي ظل بعيداً عن مسامع العراقيين، فقد تعلم العراقيون، من أغلب الزعماء السياسيين، أن كل منهم -أي السياسيين- يخاطب طائفته أو قوميته، لو على حساب بقية الطوائف والقوميات في العراق، لكن الحكيم كان واضحاً في الدعوة للوحدة، ومواجهة الإرهاب وبناء الدولة العراقية، بشكل يضمن مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي.
دعا الحكيم للوحدة ولو على أدنى المشتركات، التي يمكن أن تجمع العراقيين، وهذه الدعوة ليست  للاستهلاك الإعلامي، بل تدعمها مواقف ومبادرات وطنية وحدوية لسنين قد خلت، هذا الخطاب لابد من خطاب آخر يقابله، من بقية الشركاء السياسيين، وبذلك يكون بداية لظهور خطاب الدولة، من رجال الدولة، الذين همهم مصلحة العراق أولاً، فليس لنا إلا أن نعيش تحت خيمة العراق، الذي يجمعنا، وننبذ كل خلافاتنا، فهل نتعظ من خطايانا؟