سيدتي الفاضلة, أوجه خطابي هذا لك في يومك العالمي وأنا تملؤني الحسرة والأسف لأن هناك يوم مخصص لك. أن كان من وضع هذا اليوم أراده تكريما ً لك فقد ضرك ضرراً كبيراً وإن كان وضعه ليكون يوما ً للتذكير بحقوقك فإسعي جاهدة على أن تمحي هذا اليوم من ذاكرة الشعوب التي لاتنسوى بسهولة. أن تخصيص يوم لك لأكبر دليل على أنك مختلفة, فهل أنتي مختلفة فعلا ً؟ وإن كنت كذلك فمختلفة عمن؟ هل هو الرجل الذي ميزك ليجعلك مختلفة عنه ليكون لك وضع مختلف في المجتمع؟ هل تعيشين أنت وباقي النساء في جزيرة منعزلة عن الرجل ليكون لك وضع خاص مختلف وقانون يترتب على هذا الاختلاف وطريقة مختلفة في التعامل معك لأنك مختلفة؟ إن كنت ترغبين في الاختلاف على أنه اختلاف بايلوجي ليس للإنسان دخل فيه فاقبلي إذاً كل مايترتب على ذلك من قوانين وأعراف وعادات وتقاليد وأحكام بإسم الدين والقبيلة وغير ذلك. وإن قبلت فستبقين أنت ذلك الكائن الضعيف الذي ميزه الله أو الطبيعة لتكوني لطيفة بصوتك الجميل وشكلك الجذاب, ولكن للرجال فقط وليس لباقي الكائنات كما يصورون لك. وعلى هذا الإساس لابد من أن تقبلي وضعك كأم ومايترتب على ذلك من تربية الأطفال وإعداد الطعام اللذيذ كأي ربة بيت محترمة. وعليك أن لا تعملي فأن العمل للرجال وإن عملت للضرورة فيقتصر عملك على العمل الأنثوي الذي صنفه المجتمع لك وقبلت أنت هذا التصنيف لأنه من صلب الطبيعة وهو من القضاء والقدر. عليك أيضا ً أن تقبلي بأن تكوني سيدة مجتمع راق ولكن فقط من خلال الرجل فوضعك من غير رجل يجعلك ضعيفة في المجتمع فأنت بحاجة له على الدوام.
سيدتي الفاضلة, سوف لن أغدق عليك الكلمات الجميلة من قبيل أنك الأم والأخت والزوجة ونصف المجتمع ومرحى لك في يومك العالمي, فأن فعلت ذلك فقد غششتك, وأن كل من يفعل ذلك فهو يغشك. هذا اليوم هو لتحصيل حقوقك ليس من الرجال فكثير من الرجال مظلومين مثلك وأكثر, ولكن حقك من المجتمع الذي تسيطر عليه الثقافة الذكورية والأبوية, التي تكتسح عقول الرجال والنساء على السواء, فحين يصفون شجاعتك يقولون لك امرأة بمئة رجل لأنه مرجعك وهو لامرجع له, أنت لاشييء من دونه وعليك أذا ً أن تتقبلي الأمر لأنه أمر طبيعي. يغشك من قال لك أنك جميلة ولابد أن نحافظ عليك, أو أنك جوهرة ولابد من إخفائها عن أعين السارقين والمتطفلين, فيحاول بكل صورة أخفائك ليجعلك كائن غير مرأي, فأنت في نظره عورة وممنوع أن تبدي لأي أحد, بل حتى أشيائك الأنثوية عار يجب أخفائها وأسمك أيضا ً ممنوع النطق به أمام الغرباء فسمعتك ترتبط بمدى شهرة أسمك الذي لابد أن يكون سراً لايعرفه أحد. إذن, هو يريد أبعادك عن الساحة لينفرد هو وحدة بفحولته, ولا أقصد هنا الرجل بل المجتمع بثقافته الذكورية التي يحملها الرجال والنساء. يقولون أنك قارورة عطر ورفقاً بالقوارير, فهي كلمة تستجدي العطف من الرجل في مجتمع ذكوري قبل الف وأربعة مئة عام والذي جعل المرأة تصلي سوية مع الرجل في نفس المكان وكانت تعمل بالحسبة وتخرج للقتال مع الرجال في وضع لم يكن متاح لها قبل, لكنهم اليوم وفي العصر الحديث يستعملون نفس الكلمات ليضفوا القدسية على مايفعلون وليودعوك البيت بإعتبارك كائن ضعيف لايقوى على مقاومة العالم المتوحش ولايقوى على تحصيل الرزق, فهل مازلت بحاجة لذلك العطف؟ أن قبلت فأنت إذا ً بحاجة لحماية وعفتك وشرفك مرتبط بأن لاتنكسر تلك القارورة. لقد وضعوا عفتك وجمالك وشرفك في جسدك ونسوا عقلك أو سفهوه على أعتبار أنه ناقص. فمقياس وجودك وشرفك وكرامتك هو غشاء خفيف أن ذهب ذهب كل شيء معه, فهل تقبلين بذلك؟ فإن قبلت ذلك فلا تلومي أحدا ً لايقبل كلمتك كونك امرأة يتغير كلامها بين المغرب والفجر أو لاتقبل أهليتك على إعتبار أن لابد أن يكون لك مرجع ما, وهو بالطبع زوجك أو أبوك أو أخوك حتى الصغير منهم. فأين أنت إذا ً من الشرف و كلمة الصدق والإلتزام بالكلمة والموعد وإحترام الآخر ومساعدة الآخرين وغيرها من السلوكيات التي تتعلق بالشرف والكرامة والعفة, وأين أنت من الجدية في العمل وتقلد المناصب الرفيعة في المجتمع وكل الامتيازات التي يتمتع بها كل فرد, تلك الصفات التي يتميز بها الإنسان رجلا ً كان أم امرأة.
سيدتي الفاضلة, عليك أن لاتحتفلي بهذا اليوم فهم يخدعوك حين يقولون عيد المرأة بل هو يوم المرأة العالمي فحسب ولابد أن تحزني كثيرا ً لأنه يميزك كونك مختلفة, وعليك أن لاتفرحى إلا بالسعي لتحصيل حقوقك من المجتمع ولاتطلبي من أحد أن يعطيها لك, فالحقوق تأخذ ولا تستجدى من أحد. أن هذا اليوم جاء على أثر المظاهرات التي خرجت في نيويورك قبل أكثر من قرن للمطالبة بالحقوق والمساوات السياسية وتحسين وضع العمل بالنسبة للنساء وليس للإحتفال بك كونك امرأة. لاتنتظري من الرجل أي إعتراف بوجودك فأنت موجودة سلفا ً ولاتطلبي منه أن يعترف بنتاجك كونك امرأة ضعيفة فهو ليس المقياس. خذي حقوقك بأن تتعلمي وتخرجي من قمقم المجتمع الذي يقيدك ويجعل منك أداة طيعة بيد من يريد أن يهتف بإسمك رجل كان أم امرأة, حتى وأن كان هذا الهتاف بإسم حقوق المرأة وتحريرها فهو نتاج ثقافة رأسمالية تسعى الكسب بتحررك لتحريك عجلة الإقتصاد بعمالة رخيصة أو جعلك سلعة للمتعة فقط. أعملي وحصلي على أجرك كباقي الرجال والنساء لتكوني مستقلة بإرادتك, ولكن المسؤولية تحتم عليك أن يرتفع مستوى الوعي فيك فكلنا يعلم أن أكثر من لايقرأ ويكتب في أغلب المجامعات هي المرأة.
يقولون لك أنت نصف المجتمع! ولكن, من قال ذلك فمن قال ذلك يريد أن يقسم المجتمع, أن المجتمع فيه رجل وامرأة وشاب وطفل وكهل وجاهل ومتعلم ومن طبقة وسطى وفقيرة من كل الألوان والأجناس فلماذا أنت نصف المجتمع وسط هذه الاختلافات؟ لايستطيع أحد أن يحصي عقول الناس ومشاعرهم وأمكانياتهم وقابلياتهم بالعدد أو الكم ليقسمهم لنصفين. حاولي أن لاتكوني مميزة فعندما تكوني مميزة ستتميزين عن شيء وبالطبع سيكون الرجل. لاتبني شخصيتك بالضد من الرجل وطموحاته وأن فعلت فستكونين أنت لست أنت بل نسخة منه وحينها لاتتذمري عندما يكون هو المقياس. لاتطلبي التمييز كونك امرأة فإن قبلت فعليك قبول كل مايحمل هذا الدور من تسفيه لعقلك فتصيحين وتتذمرين وتطلبين الانصاف من الرجل, ولكن, عدم التمييز لايعني أنك تفقدين أنوثتك فهي عامل إيجابي وليس سلبي. لابد من تغيير القوالب الجاهزة التي يضعونك بها والتي شرعوها في الدساتير بأن لك وضع خاص ووزارة خاصة فقط لأنك تذهبين لحمام النساء في المرافق العامة ولك عربة المترو الخاصة بك ولك مكان معزول في المسجد عن الرجل. لابد أن تغيري الصورة النمطية عنك في المجتمع المترسخة في أذهان الرجال والنساء ولابد أن يبدأ هذا التغيير منك وذلك عندما تعتقدين بأنك فرد غير مختلف عن باقي الرجال والنساء على السواء وأنك إنسان قبل كل شيئ.