كان ينظر الى يديه المكبلتين بأصفاد الحديد حين هتف به الشرطي المرافق الى دخول باب كبير وظهرت له واجهة المحكمة التي استكملت مستلزمات محاكمته من خلال حضور القاضي والمدعي واعضاء المحكمة والشهود.
سار بخطوات وئيدة بل ومتعثرة وقد اضاف عليه جو قاعة المحكمة رهبة في نفسه بل وكادت غمامة سوداء تسدل امام عينية فأغمض عينه ورفع يديه كلتيهما ليحيط بهما رأسه اذ احس للحظات بدوار جعل الارض تدور به كمن يقف على رأس ابرة مرصع وكاد ان يتهاوى ما دفع بالشرطي الى احتضانه وهمس له بكلمة اشاعت الطمأنينة في نفسه ( اذكر الله فهو الرحمن الرحيم) تمالك نفسه ووقف منتظرا ما سيجد من مشهد ولم يطل به الانتظار اذ هتف به القاضي متسائلا
اسمك هنودي
نظر اليه شزرا كمن يتوعده بالعقاب واردف اسمك الثلاثي وبعد قليل اضاف الا تعرف انني حين اسألك عن اسمك فذلك يوجب عليك ان تذكر اسمك الثلاثي …؟ وانحنى الى الطاولة التي امامه يطالع اوراق سجل كبير.
هنودي ناظم عبد الرحمن
انهمرت دموعه عند تلفظه اسم الرحمن ودعا الله في سره ان ييسر له امر هذا العسر ويخفف عنه هذه الشدة.
سأله القاضي قائلا :- لماذا قتلت الفتاة…؟
لم يكن ذلك السؤال جيدا فهو لم يقتل وليس بينه وهو أب لثلاثة اطفال ويعاني ما يعاني لكسب قوت عياله ما يشغله عن ان يفكر مجرد تفكير لقتل دودة صغيرة فكيف بطفلة جميلة…..
لم يحر جوابا ومرت لحظات الصمت كأنها سنوات طويلة
ما دعا القاضي ليستحثه الجواب فهتف بنبرة حادة (تكلم …دافع عن نفسك).
حاول الكلام ولكن جف حلقه وانطبقت شفتيه على حرف واحد فقط ..م..
صرخ به القاضي …ماذا تريد…قل ما تشاء ..قل..
لم يستطع الكلام وراح يحملق في وجه القاضي مليا
كرر المحاولة ليقول فما نطق الا(آآآآه) وكأن هذه الآهة كانت مفتاح قفل فمه فنطلق لسانه …ياه …حضرة القاضي كيف اقتل طفلة لا تتعدى الثامنة ولكني سأشرح لك بالتفصيل كيف حدث الامر……………
استيقظت صباحاعلى صوت عواء الكلاب السائبة وصمت قليلا و شحبت ملامحه وهو يسترجع تلك اللحظات الهائلة وحين لاحظ ابتسامة باهتة ارتسمت على وجوه بعض الحاضرين هتف هذا قدرنا نحن البائسون يوقظنا في الصبح عواء الكلاب في الصباح وننام في الليل على عواء الذئاب وتتسلط علينا وحوش البشر تنهش اجسادنا وتمتص عصارة حياتنا . هنا تململ القاضي في مقعده واشار اليه ان يتم حديثه فاستمر متحدثا.
كما سبق وان اخبرتك استيقظت صباحا على عواء الكلاب السائبة وكان الجو صحوا والسماء صافية وقد ازعجني عوائها فعهدت الى بندقيتي التي اضعها دائما جواري خلال الليل خوفا من قدوم حيوان او انسان شرير .هنا رسم بيديه كلتيهما اشارة تعني انه سيدلي بملاحظة فاستطرد لا اقول خوفا من اللصوص فليس في منزلي ما يغري احدهم بالسرقة فكما تعلمون وكما هو مثبت في الاوراق امام حضرتكم يقع منزلنا في بيئة ريفية بائسة وبعيدة عن المدينة ولكي اخرس عواء الكلاب اطلقت اطلاقة واحدة ولم اكن اقصد قتل اي كلب من تلك الكلاب لكني فقط اردت اسكاتها ولكن .آآآآآآآه الرصاصة القاتلة ذهبت بمسار لتنتهي لتستقر في صدر طفلة نائمة في فراشها تحت ضوء الشمس بفناء بيتها.
اقسم لك سيدي القاضي هذا هو واقع المأساة.