في هذا المقال أريد أن أضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية والشرعية والأخلاقية , ابتداءا من المرجعية الدينية العليا وانتهاءا بمجلس النوّاب العراقي والحكومة العراقية , فمشروع الموازنة العامة لسنة 2015 الذي تمّت قراءته القراءة الأولى في مجلس النوّاب العراقي , كان صدمة , ليس لما تضمّنه مشروع هذا القانون من تمييز فاضح بين العرب والأكراد وتجاوز غير مقبول أو مبرر على حقوق ابناء وسط وجنوب العراق فحسب , بل لاعتماد مشروع هذا القانون على الاتفاق النفطي الخطير المبرّم بين حكومتي بغداد وأربيل , حيث اعتمد مشروع القانون في حساب الإيرادات المتأتية من النفط على انتاج 3,300 مليون برميل من النفط يوميا , منها 2,750 مليون برميل من نفط الجنوب و300 ألف برميل من نفط كركوك و250 ألف برميل من نفط إقليم كردستان وبسعر 60 دولار للبرميل الواحد , بمعنى أنّ الاتفاق النفطي الذي أبرم بين بغداد وأربيل قد وضع موضع التنفيذ من خلال مشروع قانون الموازنة العامة قبل عرضه على مجلس النوّاب العراقي للاطلاع عليه والوقوف على تفاصيله وإقراره , وهذا بحد ذاته تراجعا خطيرا على المستوى الوطني وتآمرا على مستقبل كركوك والمناطق المتنازع عليها , وإقرارا صريحا من قبل حكومة بغداد بالموافقة على تصدير حكومة الإقليم الفائض من النفط المنتج من حقول الإقليم وكذلك حقول كركوك التابع لسيادة وإدارة الحكومة الاتحادية والتي سيطرت عليها قوات البيشمركة بعد سقوط الموصل , والمثير للسخرية إنّ سعر برميل النفط الذي اعتمد في مشروع هذا القانون لحساب الإيرادات والبالغ 60 دولارا للبرميل الواحد , هو أكثر من السعر الحقيقي الذي يباع فيه النفط العراقي والبالغ 50 دولارا أو يزيد قليلا , علما أنّ توّقعات الطلب العالمي على النفط تؤشرّ انّ اسعار النفط العالمية قد تصل 40 دولارا للبرميل حتى نهاية 2016 .
فحين كان سعر النفط 110 دولار للبرميل الواحد , كانت الموازنات السابقة تعتمد سعر 80 دولارا كسعر تعتمد عليه في حساب الإيرادات المتأتية من النفط , ومع هذا كانت المؤسسات المالية الدوّلية تعترض على هذا السعر وتعتبره مبالغا به وفيه شئ من المجازفة , فكيف الآن والسعر المعتمد في مشروع قانون الموازنة العامة أكثر من سعره الحقيقي في السوق النفطية العالمية ؟ , فالمتابعين للشأن السياسي العراقي لا يخمارهم الشّك اطلاقا في أنّ الطرف الكردي هو الذي يقف وراء تحديد هذا السعر المبالغ به جدا , وهو الجهة الوحيدة المستفيدة حصريا من هذا السعر المبالغ فيه والغير واقعي , لأنّ حصة الإقليم من الموازنة بموجب هذا السعر ستكون أكبر بمقدار الثلث فيما لو احتسب سعر برميل النفط 40 دولارا , وهو السعر الواقعي الذي يجب أن يعتمد , وحكومة الإقليم تعلم جيدأ أنّ اسعار النفط العالمية تتجه نحو الانخفاض وليس الارتفاع , وبالتالي فإذا ما حدث ارتفاع في اسعار النفط العالمية وهذا احتمال ضئيل جدا في الوقت الحاضر , فإنّ الإقليم سيأخذ هذه الزيادة رغما على أنف حكومة بغداد , لأنّ الإقليم وببساطة شديدة سيوقف إمداد شركة سومو بكمية النفط المتفق عليها ( 550 ألف برميل ) والتي تصدّر عن طريق الأنبوب الكردي , فهم يحكمون بقبضتهم على رقبة الحكومة الاتحادية , ولكن بالمقابل ماذا لو انخفضت اسعار النفط لأربعين دولارا للبرميل الواحد وهذا متوّقع جدا في ظل التوّقعات الحالية للطلب على النفط , فهل سترجع حكومة الإقليم المبالغ المالية إلى خزينة الدولة ؟ , وقبل الإجابة بنعم أو لا على هذا السؤال , سأنقل لكم أيها الأخوة تجارب الحكومات السابقة التي تعاملت مع حكومة إقليم كردستان حول الأموال التي صرفت زيادة عن حصة الإقليم من الموازنة العامة من قبل جهات مختلفة خطأ أو عمدا .
فقد ذكر تقريران لديوان الرقابة المالية , احدهم يحمل الرقم 5445 في 26 / آذار / 2014 والآخر برقم 13510 في 17 / تموز / 2014 , أنّ هناك مبالغ صرفت للإقليم من قبل الوزارات زيادة عن حصته المخصصة في الموازنة العامة بلغت منذ سنة 2005 وحتى نهاية سنة 2012 فقط 21 ترليون و 309 مليار دينار بسبب خطأ بعض هذه الوزارات أو تعمدّها هذه الأخطاء , ولم يتم استرجاع هذه الأموال لخزينة الدولة حتى هذه اللحظة , وإذا ما تمّ إضافة الأموال المترتبة على الإقليم لسنتي 2013 و 2014 فسيكون مجموع المبلغ 46 ترليون دينار , فإذا كانت هذه الأموال قد صرّفت ( خطأ ) أكثر من حصة الإقليم في الموازنة ولم تعاد لخزينة الدولة حتى هذه اللحظة , فمن سيضمن أن الإقليم سيرجع أي مبالغ سيأخذها زيادة عن حصته في الموازنة في حالة انخفاض أسعار النفط إلى خزينة الدولة ؟ خصوصا بعد هذه المعلومات التي وردت في تقريري ديوان الرقابة المالية ؟ في الختام ادعو الشعب العراقي وقواه الوطنية المخلصة والمرجعيات الدينية العليا أن ترفض مشروع قانون الموازنة العامة , فمشروع هذا القانون هو صفقة تمّت بين أطراف تآمرت على نهب ثروات واموال العراقيين وإعطاءها للاكراد ذّلا وخنوعا في ظل صمت رهيب وانبطاح للابتزازات الكردية على أمل ثني مسعود البارزاني عن مساعيه بالانفصال عن العراق وإعلان الدولة الكردية .