البنيات المتحركة في فضاء أقوال النص
حين تقول القصيدة و حين لا تتكلم ، فهو شأن موصول بحيثيات مستجدات وعي الحالة الشعرية ، و سمات أنجازها في اللحظات المتجددة من جهة مكونات الابعاد الموضوعية و التصورية في النص الشعري : أما متى يقول النص ؟ و متى يصمت ؟ فهذه الاسئلة بدورها سوف تقودنا الى عتبة مراجعة الابعاد النصية و جملة شروحاتها و تصوراتها الموصولة بموجب خصائص لغة التجربة ذاتها . من هنا تواجهنا تجربة قصائد ديوان ( ولد كالقهوة ) للشاعر خضر حسن خلف ، لتكشف لنا حجم ما عليه متحركات و موجهات ايقونية النص الشعري ، الذي يبدو عائدا الى مرحلة تنصيص خصائصي من نمذجة صفات شعرية تصل حلقات فضاء جفرافية طقوس الاشياء ، مرورا بحالات جزئيات الذوات و الاوصاف الذاتية المفردة و الجمعية ، المنبثقة من غايات استثنائية كاشفة و غير كاشفة عن صعيدها الاخباري المشاع من وظيفة مقصدية المعنى الكلي :
حيرتنا الوساوس
عقلنا النواميس حول الأفئدة
و تهنا على ارض خلاء
امتثلت لضجيج قهري
و عدت اسوق حشودا من الاخيلة ص 15
بهذه الايعازية الواضحة راح الشاعر يقوم الابعاد النصوصية المتحركة ، نحو منطقة الاعلان عن اللحظات الحرجة من عمر البيئات التداولية من شكل زمن ( قلق الذات ) و قلق الحالة الادراكية المنبثقة من الظواهر المكانية و الزمانية ، القابعة في بنيات القصيدة الساكنة . ان قصيدة الشاعر خضر حسن خلف ، تبدو من خلال هذه التمظهرات المقطعية ، كأنها أمام حساسية الامكنة و الذوات ، شبه واصفة ، و بلا دليل فعلي موجه نحو غايات دلالية و مقصدية ما . فمثلا و نحن نطالع جملة ( حيرتنا الوساوس ) نلاحظ بأن صوت الراوي ، قد حل أبلاغيا محدودا ، و هو يصف اضمارته الحالاتية ، بدليل فاتر و هو يصف محسوس من طرف واحد ، في حين الامر نراه في جملة ( النواميس حول الأفئدة ) يحاول من خلاله الشاعر ، أيضاح و تدليل استعادة مفتوحة الاحتواء و الزمن القولي في العبارة و الدلالة ، و أمام هذا المضي التصويري ، تأتي المكانية ضمن نطاق يدخل صوت الراوي الشعري الى مكنز الروح و الذاكرة و طبيعة الموضوع في مثل قوله هذا ( امتثلت لضجيج قهري ) . و من حدود هذه الجملة نشاهد بأن مشخصات الحالة القولية ، قد أخذت لذاتها ، وضعا ساعيا نحو جملة الاطار التعريفي من أداة التحول داخل موصوف صورة ( حشودا من الاخيلة ) ان صوت الراوي في هذه المقطعية اللاحقة ، راح يحاول وصف فضاء دوال ( الوساوس / النواميس / الذات / الممارسة ) بموجب حدود يقينية واضحة من الكلام و المعاني المتداولة في افق محكي ذات المتكلم ، في حين ان هناك مواقع أخرى ، من
مقاطع القصيدة ، ما يبرهن لنا على ان هناك فضاء من أصوات محاور تشاركية مثل ملفوظات ( حيرتنا / وعدت ) و هذه الاصوات التتابعية لضمير الأنا الشاعر ، قد اخذت تعكس في جو النص دلالات من الاعلان عن راو شارح و معلق ينطوي من خلاله الفضاء الانطلاقي في مدى الحضور و الابلاغ الشعري المنقول من جهة ( أنا الشاعر ) و بهذه المحصلة صار عندنا أمران هامان في فضاء ملكوت
( الراوي / الأنا ) .
في جلستي غير المتزنة
تخيلت وجه اخناتون أمام الخاصة
وجدته
رجلا عصيا على الكسر
أسرفت في دخان سيكارتي
فشممت رائحة رماده في عقبها
ضحكت حد الدهشة
و بعين هلامية
غمزني كلكامش من خلف الكأس ..ص 46
من هنا لعلنا بحاجة الى فعل الافصاح عن شكل ما قلناه سابقا أعني في بداية مقالنا : متى يقول النص ؟ و متى يصمت ؟ . ان فعل التلقي لحركة فعل هذه المقاطع الشعرية الموجهة ،سوف تقودنا نحو صميم اعتناق هذه الاسئلة : أي بمعنى ما ؟ اين كلام النص و أفصاحه الشكلي للحظة قوله الاصل ، و بعيدا عن حدود حجم المداخلات و الملابسات ، كقول الشاعر ( و بعين هلامية غمزني كلكامش ) ربما هذا القول من جهة ، ليس من خطاب القصيدة أصلا ، و ذلك لأن جميع جهات و
موجهات هذه الجملة ، هي عائدة الى مكونات أضطرارية في النص و الموضوعة ، و ليس الى موجهات دلالات صوت النص نفسه ، فعلى سبيل المثال ، نعاين قول هذه المقطعية التي كان يقول فيها الشاعر هذا القول : ( وجدته / رجلا عصيا على الكسر ) هذه الجملة راحت تهب لذاتها المكوناتية صورة مستجدات فاعلة من علامات تواصلية ثابتة الوسيلة و الغاية المحورية ، حيث ان انتمائها يظل يشكل فاصلا وحلقة وصل مع لفظة دال ( أسرفت ) و هذه الدالة أخذت تؤسس لذاتها موجها صوريا إزاء منظومة ( الذات /المؤول / الفضاء / المطبق ) في حين أننا نجد حال جملة
( غمزني كلكلمش ) تؤشر الى ملامح طارئة وخارجة من أفق مصاحبات خطاب النص الفعلي في نسق دلالة القصيدة ، و تبعا لهذا الامر فأننا نعاين بأن في قصيدة الشاعر هناك منطقة قول و منطقة صوت و منطقة مع من يتكلم النص .
( القصيدة و مرحلة الذات )
في منجز قصائد ( ولد كالقهوة ) ثمة تعاريف تكشف عن فهم لقصيدة الشاعر بشكل خاص ، و هي تحث السير خروجا و دخولا ، الى لغة البيئة الذاتية و في لغة أفعال التكوين القولي ، و مخططاته المرحلية التي تعزز مدار القراءة و التلقي ، لحجم متشابعهات آليات النزوع و خصائص الكلام الذواتي .
رصيف
هواء فاسد
و دوامة لزجة
تحتويني هياكلهم معطرة بالسأم
وهم غرقى في بهجة رخوة
بأبصارهم يحرثون العناوين
و بأيديهم يقلبون الخلاعة
أختفي خلف حماي
و اسقط عاصفتي على هدأة دمي ..ص50
ان مرجعيات و أصوات الذات في تشكيل دلالات هذه المقاطع
، تحيلنا الى نوع من الممارسة ، قد لا نفهمها ، سوى أنها من جهة تشكل حدوثا استثنائيا في تباينات تبادل التصورات القرائية مع طرف الشاعر السارد في القصيدة ، و مع حركية استلهامات بقاءات الذات الواصفة لديمومة الاشياء الوصفية . ان خضر حسن خلف في منجز هذه المقطعية من قصيدة الديوان ، يحاول تقديم الذات و كلامها و شفرتها ، بموجب تصديرات أمست تستحضر مادة توازيات الدال مع شكل الافصاح اللغوي ، و بشكل راح يعكس مبدأ الامتداد الاستعاري نحو موجهات الرابط المدلولي المتشاكل مع متقاربات النتيجة الذاتية في القصيدة ، حيث يكون مصدر الاشياء مكونا من منطقة الذات و منطقة شكل روابط المعنى المواز مع الابنية الدلالية للشاعر نفسه ، فمثلا و نحن نعاين جملة هذه المقطعية ( تحتويني هياكلهم ) نلاحظ بأن جملة الرابطية التأويلية هنا ، هو مرجعها الاول و الاخير شعرية الأنا و صياغات التذاوتية السردية في خطاب القصيدة ، و لكن يظل الملفوظ في صوت النص من جهة ، يشكل اسلوبية محيرة في مؤشرات حافزية المرسل اليه ، لذا نرى التوليد القولي في خاصية الجملة ، أمسى يتعلق بحجم مدركات الآخر الحسية و ليس بحيثيات مفاوز الأنا . و تبعا لهذا الحال ، صرنا نشاهد الأنا في القصيدة ، ما هي ألا دال منبثق عن
حجم فضاءات الآخر في خطاب القصيدة ( و هم غرقى ) أي بمعنى ان ضمير المتكلم هنا ، قد صار فاعلا مسندا لوصف فاعلية الآخر ( و بأيديهم يقلبون الخلاعة ) . غير ان صوت الأنا الذاتي في هذه المقاطع ، بالتالي صار يعكس حدود غائية من هوية الآخر ( أختفي / أسقط / بأيديهم / الخلاعة ) و ختاما أقول ان تجربة قصائد ديوان خضر حسن خلف ما هي ألا علامة من الافصاح الشكلي في متصورات دليل انطباع دلالات الاشياء في أجرائية خطاب النص ، و هذا المعطى الدلالي منه ندرك و نتعلم و نفهم دوائر صوت الذات الشعرية في البنيات المتحركة في فضاء حافزية سياقات الآخر و لغة و علاقة ذاتية النص الشعري .