تركتنا الحكومة في حيص بيص من أمرنا في ما خصّ مشروع خصخصة الكهرباء، وأعطتنا لحافاً قصيراً ليس في وسعه تغطية الرأس والقدمين في الآن ذاته.
نحن، في معظمنا وربمّا كلّنا، لا نعرف بالضبط ما هي مزايا هذا المشروع كيما تُلحّ الحكومة في تطبيقه كل هذا الإلحاح، ما جعل الكثيرين منّا يرفضون المشروع من دون معرفة تامّة به في الغالب، وعلى طريقة “حشرٌ مع الناس عيد”.
قد تكون في المشروع فائدة ومنفعة على صعيد التجهيز المتواصل بالكهرباء، وعلى صعيد الأسعار أيضاً لجهة تخفيضها، فكان لابدّ من توعية الناس بهذا، والتوعية تكون بتزويدهم بالمعلومات الكاملة والتفاصيل “الممّلة” ليقبلوا بالمشروع ويتحمّسوا له بدلاً من أن يرفضوه إلى درجة تنظيم التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات. كان لابدّ، في هذا السياق، من الإيضاح للناس ما إذا كانت الخصخصة تختصّ بالتجهيز والجباية من دون الإنتاج أم بهذه كلها، وكان لابدّ كذلك من إيضاح الأسباب التي تحمل وزارة الكهرباء على اللجوء الى مشروع كهذا .. هل تكمن هذه الأسباب مثلاً في فشل الوزارة، بجيشها الجرّار من المهندسين والفنيين والموظفين الذين يكلفون الموازنة العامة للدولة مليارات الدنانير شهرياً، في إدارة هذا الملفّ؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا تتمسّك الوزارة بهذا الجيش العرمرم مادامه فاشلاً في تأدية مهمته؟
الموقف المعارض للمشروع يستند في الأساس إلى عدم الثقة بالحكومة (المعني بهذا الحكومات كلّها وبخاصة السابقة التي بدّدت عشرات مليارات الدولارات قيل إنها أُنفِقتْ على مشاريع إنتاج الكهرباء وحدها ليتبيّن لنا أنها لم تكن سوى مشاريع وهمية أو فاشلة وأنها وُضِعت على الورق لزوم الفساد والإفساد.
رئاسة الوزراء وجّهت أخيراً بشنّ حملة في المحافظات لترغيب الناس في مشروع الخصخصة. قبل هذا كان يتعيّن على الحكومة، وبخاصة وزارة الكهرباء، أن تنظّم المؤتمرات الصحافية والندوات والاجتماعات العامة التي تقدّم فيها كامل المعلومات عن المشروع وتُجيب عن الأسئلة كافة التي يتداولها الناس، وخصوصاً لجهة تطمينهم بأنهم لن يحصلوا على خدمة ناقصة ولن يدفعوا رسوماً أكثر ممّا يدفعونه الآن. ولاستعادة ثقة الناس بالحكومة ومشاريعها يتعيّن الآن في إطار الحملة الحكومية أن يجري التوضيح بشأن مصير مئات المليارات التي أُنفِقتْ سابقاً ولم تُسفر عن نتيجة للتخفيف عن المعاناة الرهيبة المتواصلة منذ نحو خمس عشرة سنة، فالناس يخشون الآن أن يكونوا من جديد ضحايا لمشروع فاشل أو وهمي ( شبيه بمشروع صقر بغداد أو سواه مثلاً) يُستقطع من لقمتهم ومن صحتهم وتعليمهم ورفاههم .
البعض يقول إنّ الحملة المناهضة لمشروع الخصخصة تقف وراءها قوى تريد تكسير أقدام حكومة حيدر العبادي لإسقاطها قبل بلوغها موعد الانتخابات .. لنفترض أنّ هذا صحيح، فما الذي تفعله حكومة العبادي لإسقاط هذه “المؤامرة”