23 ديسمبر، 2024 8:00 م

خصخصة الامن ــــ استمرارا للفساد

خصخصة الامن ــــ استمرارا للفساد

عندما تمت الاطاحة بنظام صدام حسين الدكتاتوري ظهرت في البلاد الشركات الامنية الخاصة لحماية الافراد والمؤسسات واعضاء السلك الدبلوماسي، حيث حلت الاجهزة الامنية الوطنية وبرزت الجماعات المسلحة التابعة للاحزاب الماسكة بزمام السلطة الجديدة مع الامريكان ، فضلا عن قوى وجماعات اخرى مسلحة وتناوئ العملية السياسية والنظام الديمقراطي واخذت الامور مسارها الذي يعرفه العراقيون ، وفقد الامن والامان وتأسست في البلاد بعض الشركات الامنية المرتبطة بالاحزاب وشخصيات سياسية الى ان تلاشت الى عدد محدود ، وكان للعراقيين تجارب معها ، اذ تعرضوا الى تجاوزاتها وخروقاتها للقانون واعتداءاتها ، واصبحت كل واحدة منها دولة داخل الدولة في الشارع وفي مقراتها والاشهر من بينها شركة “بلاك ووتر” .

اليوم الشركات الاجنبية العاملة في مجال النفط تستعين لحماية ممتلكاتها وامنها بشركات امنية اجنبية ، فقد تعاقدت شركة غاز البصرة مع شركة بريطانية لحمايتها مقابل 187 مليون دولار لمدة ثلاث سنوات ويمكن تمديد عقدها لمدة سنتين اضافيتين بزيادة قيمة العقد الى 270 مليون دولار ، وقالت شركة (Gts) الامنية البريطانية انها ستوفر الحماية للعاملين والمنشآت من خلال استخدام 500 عنصر و220 عجلة مدرعة.

وكانت بعض هذه الشركات بؤرة للفساد والجريمة و لم يزل القضاء يلاحق ويحقق مع مسؤولين اجانب ومحليين فيما ارتكبوه بحق ابناء البلد.

الواقع ان الاستعانة بهذه الشركات مؤشر على ان الاجهزة الامنية ضعيفة وعاجزة عن اداء مهامها ولا يمكن الوثوق بها ، مما يدفع نحو الشركات الاجنبية للحصول على هذه الخدمات ، على الرغم من ان التجربة اثبتت ان هذه الشركات ليست كلية القدرة ويمكن ان تقع في اخطاء خطيرة . كما هي دلالة على ان البصرة ليست آمنة ولا ملائمة المناخ للاستثمار من دون حمايات يعتد بها وغير عراقية ، وبالتالي يشكل هذا احد المؤشرات على النفور من التوظيف والاستثمار في العراق او تحميله اعباء اضافية تزيد من كلف المشاريع.

المهم ان مسألة الامن وضبط ايقاعه في كل الاحوال يجب ان تكون عراقية خالصة بعد هذه السنوات من عمر التجربة ليس من المعقول اننا لا نستطيع ان نوفر الحماية لعدد من الشركات المستثمرة البيئة الامنة.

الم يكن بالامكان التفكير باستراتيجية جديدة للامن ، وان نبني مؤسسات امنية موثوق بها؟

لاحظ ان الشركة بهذا المبلغ الضخم لا تستخدم سوى عدد محدود من العناصر والاليات بالامكان بربع هذا المبلغ شرائها وتجنيد عناصر من العاطلين عن العمل وتدريبهم بدلا من تركهم يهربون الى خارج البلاد للبحث عن لقمة الخبز.

كان يمكن للحكومة ان تقر التجنيد الالزامي وتحقق عدة اهداف في آن واحد ، وفي مقدمتها تحميل الشباب لمسؤوليتهم ازاء وطنهم واهلهم بالحفاظ على آمنهم ، الى جانب بناء مؤسسات امنية محققة للوحدة الوطنية وبثمن اقل وبغيرة على ثروات البلد وقدراته ، وليس الاعتماد على مرتزقة يجلبهم المال لتقديم هذه الخدمة ليس الا.

الامن في ظروف بلادنا لابد ان يكون قطاع دولة ولا يجوز باي حال من الاحوال ان تتشارك فيه جهات اخرى، ولنا تجربة لم تكن ناجحة واشاعت الفوضى ، بل ان بعضا من هذه الشركات الامنية الخاصة كانت بابا للفساد والافساد والتستر على الجريمة المنظمة.

كل المواطنين على اختلاف ارائهم السياسية وتوجهاتهم يدعون الى حصر السلاح بيد الدولة ، وخضوع كل الجماعات المسلحة الى توجيهات الدولة تحت سيطرتها ، وليس الى انشاء كيانات تحتمي بالقانون وموازية لها ، وفي ظروفنا لا يمكن ضبطها او الركون الى ادائها وانظمتها الداخلية في تقييد عناصرها.

حقا انه امر معيب بعد هذه السنوات تستعين الدولة بشركات اجنبية لحماية منشآت عراقية وموظفين وخبراء يعملون فيها ، واذا كان الامر ضروريا فهناك مجالات اشد ضرورة لماذا لا نسمح للقوات الاجنبية بالقتال الى جانب القوات العراقية في محاربة الارهاب والارهابيين الذين هم وافدون الينا من شتى بقاع الارض.