كان موقف «المرجعية الدينية العليا» التي رفعت، بضربة واحدة، الغطاء عن عادل
عبد المهدي مفاجئا ، ووضعته إزاء خيار وحيد لا ثاني له: الاستقالة. استقالةٌ مثّلت واحداً من مطالب الشارع المنتفض منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، لكنها لن تؤدي على الأرجح إلى تهدئته في ظلّ دعوات قوى سياسية أساسية إلى الاستمرار في التظاهر، فضلاً عن وجود مُحرّكات خارجية يبدو أنها ستجد في خروج عبد المهدي من المشهد الفرصة المناسبة لتصعيد جهودها. على مرّ الأيام الماضية، بُذلت محاولات لتطويق الأزمة العاصفة بالبلاد، عبر تحصين الحكومة ورئيسها خوفاً من الفراغ، والدفع في اتجاه تنفيذ إصلاحات من شأنها إرضاء الشارع. لكن افتقاد الجدّية في إطلاق عجلة الإصلاح، وتفاوت حسابات شركاء الائتلاف الحكومي، ورغبة أطراف خارجيين إقليميين ودوليين في استمرار الأزمة واستعارها، وأخيراً موقف «المرجعية» المفاجئ للقاصي والداني ــــ بمعزل عن خلفياته ــــ كلّها عوامل أعادت الأمور إلى النقطة الصفر، بل إلى ما قبلها، إلى لحظة الانتخابات النيابية التي جرت عام 2018، والتي لم يعد احتمال تطيير نتائجها مستبعداً. اليوم، تبدو الصورة في العراق شديدة القتامة، في ظلّ تحذيرات متزايدة ــــ تبنّتها حتى «المرجعية» نفسها ــــ من الوقوع في «الفوضى والخراب والاقتتال». تكليفُ أيّ وجهٍ جديد لرئاسة الوزراء لن يكون سهلاً، في ظلّ إرادة أميركية واضحة لتصعيد الضغوط على إيران، وتعميمها على امتداد الإقليم. إرادةٌ لن تجد واشنطن في الظرف الحالي إلا حافزاً على المضيّ فيها، وخصوصاً أن الحراك يُظهر إلى الآن قابلية كبيرة للاختراق، وحرفه نحو أجندات سياسية لم يخرج من أجلها. في المقابل، ربما تعتقد طهران أن التهديد الماثل أمامها يمكن تحويله إلى فرصة، ولو اقتضى الأمر تسهيل الذهاب إلى انتخابات مبكرة من شأنها إعادة ترتيب البيت العراقي. لكنّ دون الحلّ المنشود ــــ وفق ما تظهره المؤشرات إلى الآن ــــ طريقاً طويلاً قد لا يكون خالياً من الصعوبات والتحدّيات، والأخطر العنف الدموي الذي حصد إلى الآن أرواح المئات من العراقيين.
أن ما يجري في العراق “خسارة” لحلفاء إيران، ووجود حذر من عودة المسار السياسي بالبلاد إلى نقطة الصفر، وبالاشارة إلى استقالة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي ورفع المرجعية الدينية العليا بالعراق الغطاء عن “عبد المهدي”، ودفعه إلى الاستقالة، بأنه مفاجئ للقاصي والداني و الاستقالة “مثلت واحدا من مطالب الشارع المنتفض منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، لكنها لن تؤدي على الأرجح إلى تهدئته في ظل دعوات قوى سياسية أساسية إلى الاستمرار في التظاهر، فضلا عن وجود محركات خارجية”، في إشارة إلى الولايات المتحدة.وأن جهودا بذلت مؤخرا لتطويق الأزمة، “عبر تحصين الحكومة ورئيسها خوفا من الفراغ، والدفع في اتجاه تنفيذ إصلاحات من شأنها إرضاء الشارع
ويجدر الاشارة هنا إلى “فقدان الجدية” في إطلاق عجلة الإصلاح، ووجود حسابات متفاوتة لدى شركاء الائتلاف الحكومي، إلى جانب “رغبة أطراف خارجيين إقليميين ودوليين في استمرار الأزمة واستعارها، وأخيرا موقف المرجعية كلها عوامل أعادت الأمور إلى نقطة الصفر، بل إلى ما قبلها، إلى لحظة الانتخابات النيابية التي أجريت عام 2018، والتي لم يعد احتمال تطيير نتائجها مستبعدا ومن الواضح ان المشهد في العراق “شديد القتامة”، وسط مخاوف من اشتعال “الفوضى والخراب والاقتتال وإلى جانب الحسابات الداخلية، فإن المشهد الإقليمي يلقي بظلال ثقيلة على العراق، و أن “تكليف أي وجه جديد لرئاسة الوزراء لن يكون سهلا، في ظل إرادة أمريكية واضحة لتصعيد الضغوط على إيران، وتعميمها على امتداد الإقليم و تلك الإرادة “لن تجد واشنطن في الظرف الحالي إلا حافزا على المضي فيها، وخصوصا أن الحراك يظهر إلى الآن قابلية كبيرة للاختراق، وحرفه نحو أجندات سياسية لم يخرج من أجلها في المقابل، ربما تعتقد طهران أن التهديد الماثل أمامها يمكن تحويله إلى فرصة، ولو اقتضى الأمر تسهيل الذهاب إلى انتخابات مبكرة من شأنها إعادة ترتيب البيت العراقي وحسب ما تظهره المؤشرات إلى الآن ــــ طريقا طويلا قد لا يكون خاليا من الصعوبات والتحديات، والأخطر العنف الدموي الذي حصد إلى الآن أرواح المئات من العراقيين.
نصح مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية بتكاتف المجتمع الدولي من أجل تفكيك الميليشيات المسلحة التي تدين بالولاء لإيران في عدد من دول المنطقة، وأكد أنه لا سبيل آخر لوقف نفوذ وتمدد طهران سوى إبطال خطر المتمردين الذين يعتبرون رأس الحربة الأساسية في عمليات الإرهاب وقال المركز إن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وقائد الحرس الثوري قاسم سليماني، يمثلان عملة واحدة لوجه الإرهاب الخارجي لطهران، وإن التعمق في معرفة المعتقدات السياسية لنظام الملالي يحتاج إلى معرفة الشخصين بشكل جيد وشدد على أن السياسة التي اتبعتها طهران ورسمها الاثنان تقوم على خوض حرب إقليمية بأقل تكلفة ممكنة، وذلك من خلال إنشاء وكلاء يدينون بالولاء للثورة الخمينية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وبحسب تقرير المركز أظهرت عمليات طهران ملامح نشاط مماثلة، حيث تعتمد سرعة الانتشار وشدته على متطلبات ساحة المعركة، ومستوى تطور ميليشياتها البديلة. واستخدمت كل هذه الأدوات في العراق وسوريا، ومعظمها ينطبق على اليمن.
تكاليف تدخلات طهران – من الصعب تقدير تكاليف التدخلات الإقليمية لإيران، لأن نفقاتها لا تشمل مليارات الدولارات فقط من المدفوعات النقدية المباشرة وتسليم النفط، ولكن أيضا الأسلحة والمعدات من المخزونات الوطنية. ويشمل التمويل لحلفائها والوكالات البديلة في المنطقة مدفوعات ونفقات تدريب لآلاف مقاتلي الميليشيات، وكذلك تكاليف تشغيل شركات الطيران العسكرية والمدنية الإيرانية وتشير التقديرات إلى أن النفقات في نزاعات العراق وسوريا واليمن قد كلفت الاقتصاد الإيراني ما يصل إلى 16 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى ما يصل إلى 700 مليون دولار أمريكي تدفع سنويا لحزب الله اللبناني. وكانت ضغوط هذه النفقات على الاقتصاد الإيراني المتداعي كبيرة على الرغم من أن التأثير قد خفف من حقيقة أن التكلفة قد انتشرت على مدى عدة سنوات
العمليات في سوريا – كان دعم إيران لسوريا منذ عام 2011 أهم نفقات المساعدات الخارجية في تاريخها الحديث، ففي عام 2015 قدر مبعوث الأمم المتحدة أن إيران تنفق ما يصل إلى 6 مليارات دولار أمريكي سنويا على عملياتها السورية، رغم أنه من غير الواضح كم من هذه المساعدات جاءت نقدا أو نفطا، مقارنة بالمواد الفائضة التي أنتجتها إيران بالفعل لصالحها. ووفقا لأرقام صندوق النقد الدولي لعبت إيران دورا كبيرا في تزويد سوريا لدعم ورعاية الإرهاب وقتل المعارضين.
إرهاب فيلق القدس – وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنشئ فيلق القدس منذ عام 2003، حيث سلح ومول ودرب حركات مسلحة عدة. ويقدر عدد شركاء الميليشيات الإيرانية بـ 200 ألف، رغم أن بعضهم لم يظهر إلى حيز الوجود إلا بعد عام 2011، ومع ذلك فإن سيطرة إيران على العمليات البديلة تختلف في حجمها وتأثيرها.
ولاء الميليشيات – ويرى المراقبون أن ولاء الميليشيات الإرهابية كان وراء تحقيق أهداف إيران الإقليمية، في حين أن التماسك بين خصوم إيران الإقليميين أضعف. وكشفت المعلومات أن الآلاف من العرب قاتلوا لسنوات تحت القيادة الإيرانية أن طهران، وقد تآكلت على الأقل بعض العداوة العربية الفارسية التقليدية التي طالما أربكت قدرتها على بناء مجموعات من النفوذ في المنطقة ,إن بدائل إيران وشركاءها آخذون في التطور، حيث قام الوكلاء في العراق ولبنان بعمليات استكشافية كانت ستعتبر غير محتملة قبل عقد واحد فقط، مما أتاح لإيران مزيدا من الفرص لتجنب المسؤولية عن تدخلاتها الإقليمية، ولأن شركاء إيران (الوكيل) في العراق ولبنان وسوريا واليمن يؤكدون أنفسهم سياسيا، فمن المحتمل أن يسمحوا لإيران بالحفاظ على نفوذها في التنمية السياسية وصنع القرار في الدول العربية.
سياسة إيران الخارجية- يظهر على السطح الإيراني دوما وجهان يتحكمان في قواعد اللعبة، وهما رئيس الحرس الثوري قاسم سليماني، الذي كان يعمل مباشرة مع القادة العراقيين والروس والسوريين، ووزير الخارجية محمد جود ظريف، الذي ركز على التواصل مع المجتمع الدولي الأوسع، والتعامل مع المسؤولين الأجانب. وعلى الرغم من الاختلافات في الأسلوب والشخصية، أظهرا صفات مشتركة في كثير من المواقف.
تفكيك وكلاء الشر-أثبتت التدخلات الإيرانية عقيدة عسكرية خارجية تشدد على أساليب الحرب الهجينة، والتعاون مع الجهات الحكومية والجهات الفرعية. وتمكنت إيران من تهديد شرايين الطاقة والشحن الدولي في الخليج العربي ومضيق هرمز، وإلى حد ما البحر الأحمر وباب المندب وينصح مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بوضع أهداف واضحة من أجل تفكيك وكلاء الشر من ميليشيات طهران المنتشرة في أنحاء العالم
ماذا يجمع ظريف وسليماني؟
· يمثلان الجيل القادم من قادة إيران، الذي يسيطر عليه الالتزام بمبادئ الثورة
· غير مستعدين للتنازل عن الدور الإيراني المزعوم باعتباره هيمنة إقليمية
· ملتزمان بالحفاظ على محور المقاومة ضد إسرائيل والحاجة لمغادرة الولايات المتحدة للمنطقة
· استغل كل منهما رغبة الغرب في التفاوض في أوقات الضعف أو الضرورة الجيوسياسية
· كل منهما بارع في استخدام وسائل الإعلام ووسائل الإعلام الاجتماعية
أساليب إيران في دعم الميليشيات
· نشر كبار ضباط قوة القدس كمستشارين
· الدعم المالي والعتاد والاتصالات والدعم الالكتروني
· تدريب ميليشيات الطرف الثالث محليا وإيرانيا، بهدف تعزيز تطورها وفعاليتها وموثوقيتها الأيديولوجية
· نشر أعداد صغيرة من المتخصصين في الحرس الثوري الإيراني أو حزب الله اللبناني
· توفير أسلحة متطورة مصممة وفقا لمتطلبات ساحة المعركة لزيادة قوة الميليشيات البديلة والشريكة
· المشاركة التدريجية للعناصر الإيرانية غير التابعة للحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك الجيش الإيراني ووزارة الخارجية والوزارات المدنية الأخرى
· تطور الميليشيات إلى منظمات شبيهة بحزب الله، مع أدوار أمنية وسياسية محلية، تحت تأثير إيران
· استغلال إمكانات القوة الناعمة
الإنفاق الإيراني في سوريا وفق ذا ناشونال
· خطوط ائتمان بلغ مجموعها 1.9 مليار دولار أمريكي عام 2013
· 3 مليارات دولار أمريكي عام 2014
· 0.97 مليار دولار أمريكي عام 2015
· نقلت إيران حوالي 60 ألف برميل من النفط يوميا إلى سوريا
الدور الإرهابي لفيلق القدس
· يسعى فقط للتأثير على تصرفاتهم مثل عناصر طالبان
· تمكين الشركاء ذوي المصالح المتوازية مثل الحوثيين، وإلى حد ما حزب الله اللبناني
· السيطرة الروتينية والمباشرة، مثل الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا
· تؤكد العناصر السنية من هذا التشدد، حماس والجهاد الإسلامي وعناصر طالبان، أن مصالح إيران هي أيضا جيوسياسية
على رغم الاختلاف الجذري بين النظام السياسي في عراق ما بعد 2003، ونظام صدام حسين السابق، باعتماد الأول على الديموقراطية في كتابة دستوره (2005)، الذي تضمّن مواد وفقراتٍ بشّرت بـ«نظام حرّ تعدّدي» سيكون من أفضل الأنظمة الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن هذا النظام عجز عن إنتاج عقلية سياسية تنسجم مع روح الديموقراطية. ولذلك، اتجه المسار السياسي نحو التخندق الطائفي والقومي، ما أسفر عن تكريس نظام سياسي بأغلبية مجتمعية، هي أقرب إلى طهران منها إلى واشنطن، التي اعتقدت طويلاً بأنها المُمسِكة بزمام الأمور في هذا البلد هذه الفرصة العظيمة استثمرتها إيران بشكل كبير جداً، فاستطاعت خلال الأعوام التي سبقت موجة التظاهرات الأخيرة (1 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي)، التي اجتاحت معظم المحافظات الجنوبية ذات الغالبية «الشيعية»، أن تبسط نفوذها الهائل على معظم مفاصل المشهدين الأمني والسياسي في بلاد الرافدين. وهو نفوذ دائماً ما استند إلى دعم «الشارع الشيعي»، سواءً في التصدّي للتمرد والإرهاب الذي ضرب «المحافظات السنية»، أو في التصدّي لدعوات الانفصال والاستقلال في «المحافظات الكردية» الثلاث لكن، في المقابل، بدا واضحاً أن جهل الأحزاب والقوى السياسية «الشيعية» وفسادها باتا المِعوَل الذي يمكن من خلاله تحطيم كلّ الأهداف الاستراتيجية الإيرانية في العراق. هذه الأحزاب والقوى باتت تمثّل الوجه القبيح والفاسد لإيران من وجهة نظر الشارع «الشيعي». وما زاد من الهوّة بين هذا الشارع وطهران، هو المنهج القاسي في التعامل مع المتظاهرين المطالبين بأبسط حقوقهم المعيشية ــ الخدمية، والذي واكبته تغطية مكثّفة من قِبَل ماكينات الإعلام الغربي (إلى جانب منصات وشبكات وسائل التواصل الاجتماعي)، استطاعت أن تؤثّر في المزاج الشعبي، إلى درجة أنها حوّلت المواجهة بين الشارع «الشيعي» وأحزابه إلى مواجهة بين «الشيعة» وإيران. ولم تقف المواجهة عند ذلك الحدّ، بل تطوّرت ووصلت حدّ رفض الأسس والقواعد الدينية التي دائماً ما استندت إليها إيران لترويض «شيعة العراق» (بل و«العالم الشيعي» بأسره)، وجعلهم يدورون في فلكها من خلال رجال الدين والمراجع، في تطوّر يفسّر انتشار مبادئ الإلحاد واللادينية في أوساط الشباب «الشيعي» أكثر من غيره.
إن تظاهرات 1 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وبفعل القبضة الحديدية التي استخدمتها القوى السياسية «الشيعية» تجاه الشارع الغاضب، خلّفت شعوراً راسخاً لدى المتظاهرين بأن «مذهبهم لن يشفع لهم إذا ما فكّروا في تهديد مصالح أحزابهم»، بل إنهم قد يعامَلون بشكل أقسى من «المكوّنات» العراقية الأخرى، وبتعبير الشاعر طرفة بن العبد: «وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً… عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ». هذا الواقع سيجعل إيران وحلفاءها من الأحزاب «الشيعية» تحديداً أمام حقيقة واضحة في قادم الأيام، مفادها أن على طهران مواجهة كل التحدّيات والأزمات المستقبلية وحدها، من دون وجود شارع «شيعي» عراقي كبير. شارعٌ تم خسرانه بسبب الفساد وسوء إدارة الدولة منذ عام 2005 حتى يومنا هذا، خصوصاً من قِبَل حلفاء طهران وأتباعها في العراق.