19 ديسمبر، 2024 1:41 ص

خسارة جيش في الميدان …أهون من هزيمة القضاء

خسارة جيش في الميدان …أهون من هزيمة القضاء

كلمات تكتب بماء الذهب قالها ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في حقبة الحرب العالمية الثانية . وللوقوف على تفاصيل الظرف الذي قيلت فيه هذه الحكمة الرائعة لابد من الاطلاع على حيثيات الموقف الذي تطلب ذلك .
 معلوم أن لندن كغيرها من المدن إبان الحرب العالمية قد تعرضت لطلعات طيران دول المحور الأمر الذي استدعى انتشار أسلحة الدفاع الجوي بما يؤمـَن تلاحم الأقواس النارية للمدافع المضادة للجو بحيث تغطي العاصمة , ولكن شاء الله أن يكون موقع أحد المدافع فوق دار لإمرأة عجوز قد أكل عليها الدهر وشرب , ومع كل غارة جوية مناوئة تبدأ المدافع بالرمي الأمر الذي تسبب في إزعاج العجوز وقضَ مضجعها وقطع سباتها وقيلولتها فلم يكن بيدها خيار إلاَ أن ترفع أمرها إلى القضاء البريطاني …وبعد الإستماع إلى معاناة هذه المرأة قالت المحكمة كلمتها وأمر القاضي برفع المدفع وتغيير مكانه لئلا يتسبب في إزعاج عجوز يوشك أن يوارى جثمانها الثرى !!!
ولكن آمر الكتيبة رفض تنفيذ أمر القضاء متذرعاً أن حماية البلد وأمنه أولى من إزعاج عجوز توشك أن تدخل قبرها !!! لذا عُرض الأمر على تشرشل الذي إمتشق قلمه واختط مهمشاً هذه الكلمات (الدرر) التي حفظها التأريخ لنا : (خسارةُ جيش في الميدان أهون عليَ من هزيمة القضاء , يُرفع المدفع فوراً , يُعاقب آمر الكتيبة , وينقل من منصبه …) هذا هو القضاء في أوربا وأعني هنا في البلدان التي تدين بالنصرانية وفي زمن الحرب فما بالكم به في زمن السلم !!!
إذن فلا غرابة أن نسمع ونقرء حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم )القائل : (فارس نطحة ٌ أو نطحتان ثم لا فارس بعد هذا أبداً , والروم ذات القرون كلما هلك قرن ٌخلفه قرن أهل صبر وأهلهُ أهلٌ لآخر الدهر هم أصحابكم مادام في العيش خير )  
وإذا ما إنتقلنا إلى القضاء في العالمين العربي والإسلامي وبشكل خاص في العراق فلا بد لنا من أن نُذكر بقول المصطفى القائل:(القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة , قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاض عرف الحق فجار متعمداً فهو في النار وقاضي قضى بغير علم فهو في النار )  وإزاء هذا الحديث الشريف لمن لا ينطق عن الهوى لابد لنا من أن نُشير إلى اللغط الذي شاب القضاء العراقي ومحاولات التسييس والخنوع للسلطة التنفيذية التي تنعكس سلباً على ساحة القضاء العراقي خاصة ً بعد أن أوقفت الشرطة ُ الجنائية الدولية (الإنتربول) التعامل مع الأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية العراقية وهذا القرار يُعد ناقوس الخطر بإنهيار المؤسسة القضائية العراقية المُفضي إلى إنهيار الدولة برمتها آخذين بنظر الإعتبار أن قرار الإنتربول يحمل في طياته الضوء الأخضر بإنشاء معارضة عراقية مسلحة في الخارج بعيدة عن طائلة القضاء وبمأمن من أي ملاحقة قانونية إذن ما تشهده ساحة القضاء يضعنا أمام جملة تساؤلات منها هل أن العراق لديه قضاء ويفتقر إلى قُضاة أم العكس صحيح أم هي ضغوطات تمارس سلطان القضاء ؟؟؟
لا يخفى عليكم أن استقلال القضاء حقٌ لصيق من حقوق الإنسان ، ومتى ما تحقق ذلك أمِن المواطن من جور السلطة التنفيذية والأجهزة القمعية خاصة ً وقد نصت المادة 91 من الدستور : يختص مجلس القضاء الأعلى بإدارة شؤون القضاء ، وإستقلال القضاء يُضمن بمسألتين :
1. تحصين رجل القضاء تجاه الرأي العام وتجاه الحكومة ومجلس النواب والمتخاصمين , وتقرير قابلية القضاة للعزل .
2. إذا كان لمجلس القضاء ميزانية مستقلة ، لذا يكون القضاء مثلوماً إذا عُرضت ميزانيته على مجلس الوزراء أو مجلس النواب ، للعلم أن القاضي البريطاني يُمنح صك على بياض ( لذا فالقاضي ثروة وطنية وقومية يجب الحفاظ عليها ) .
ومما يُحسب للدستور العراقي المادة 19 أولاً : القضاء مستقل ولا سلطان عليه لغير القانون ، إستقلال خارجي في مواجهة السلطة التنفيذية والتشريعية .
لكن هل ما ورد في الدستور حقق الإستقلال الناجز في ظل وجود قيادات تتجسدُ فيها أمية المتعلمين  …؟؟؟
ولو نظرنا إلى فانون المحكمة الاتحادية رقم 10 لسنة 2005 التي أعطت صلاحيات وسلطات واسعة والمادة الرابعة نصت على النظر في الطعون الواقعة على مجلس شورى الدولة لا يتلائم ومجلس القضاء الأعلى أما المادة 93 حددت الصلاحيات ولم تُشر إلى النظر في الطعون وهذا خروجٌ فاضح على هيبة القضاء .
ومن المفارقات أن هيئة المساءلة والعدالة تنظر في شمول القضاة بالمساءلة والعدالة ؟ فكيف لهيئة أن تنظر في القضاء ؟ كان الأجدر تشكيل هيئة قضائية معنية بالأمر دون أن توكل أمر القضاء إلى فلسفة موظف قائمة على إجتثاث من لايوافقه الهوى وخاصة القضاة ليكون الأمر ورقة ضغط .
أمام هذه المفارقات لابد من وقفة لتنقية القوانين وإلغاء المحكمة المركزية الجنائية بشقيها والإ أصبح الحال كمن يسفح الدم على رداء أبيض وينادي بالحفاظ على مبدأ إستقلال القضاء ومن باب الأمانة العلمية والتأريخية فإن مبدأ الفصل بين السلطات تناولته الحضارة اليونانية وأشار إليه أرسطو وسقراط وأفلاطون .
ومن مفاخر القضاء المصري نورد الحادثة التالية : حيث امتدح أحد الوزراء في جمهورية مصر العربية أداء أحد القضاة فما كان من القاضي إلا أن كتب بعد حادثة المدح التي أرسلها الوزير : إلى معالي الوزير من يملك حق المدح يملك حق الذم وأنت لا تملك حق المدح ولا حق الذم لذا فأنني أقدم إستقالتي .
ومما يُحسب للقضاء في نينوى حادثة لازلت أذكرها حينما عرض بعض الأشخاص الذي تعرضوا للإبتزاز من قبل جماعات مسلحة أو عصابات لا يعلمها إلا الله مع فلم يوثق عملية الدفع وتسليم المال فما كان من القاضي الموصللي إلا أن أفرج عنهم وبرء ساحتهم ولدى تعرض القاضي للمساءلة القانونية قال قولته الشهيرة : أن الدولة التي لا تستطيع أن تحمي رعاياها فلا يمكن أن تحكمهم …؟؟؟
ما أحوجنا إلى قضاة تتأسى بسيرة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الذي وصفه الرسول الأكرم محمد (عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ) بقوله : أقضى الناس علي وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ…. فهل من قضاة يُعيدوا لنا بارقة الأمل ويقتفوا إثر شُريح وغيره من أعلام القضاء في التاريخ الإسلامي
  ورغم كل ما سلف لا زلنا نراهن على قضاتنا الأخيار الذين كنا نباهي الدنيا بنزاهتهم ولا زلنا واضعين نصب أعيننا ما ورد عن سلف هذه الأمة 🙁 إن الله ينصُر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصُرُ الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة)

أحدث المقالات

أحدث المقالات