كثيرا ما كتبتُ في هذا الموضوع، وكثيرا ما اتابعه، بسبب اهميته البالغة، واغفاله من قبل الكثير من الاعلاميين والمتخصصين والشعب العراقي عموما، هذا الموضوع اهميته تتمثل في اهدار موارد النفط، وكتبت في العنوان خسائر العراق وليس البنك المركزي، لأن الاخير كمؤسسة اقتصادية هي رابحة من خلال الفرق بين سعر دولار وزارة المالية وسعر دولار المركزي، ان خسارة العراق تتمثل في اهدار موارد النفط عن طريق بيع موارده من العملة الصعبة من قبل البنك المركزي، والمادة ( 111) من الدستور اقرت بملكية النفط للشعب، وبذلك فالدولار من النفط، والنفط للشعب، “والشعب جائع”!
ان البنك المركزي يمثل الجزء الثاني من السياسة الاقتصادية، بعد السياسة المالية، وبذلك يصبحان جناحين لطائراً واحد، عموما، البنك المركزي يشتري الدولار من وزارة المالية وبعد ذلك يبيعه عبر نافذة مزاد العملة، ويكون بيعه حصراً الى المصارف التجارية وشركات الصيرفة والتحويل المالي، وحسب البنك المركزي، لدينا في العراق (7) مصارف حكومية، و (57) مصرفا اهليا (5 منها قيد التأسيس)، وتتراوح رؤوس امول هذه المصارف ما بين (150-300) مليار دينار ،(اغلبها 250 مليار دينار) ، اي تقريبا مجموع رأس مال هذه المصارف مجتعة (11,400 ترليون دينار)، ولدينا (54) شركة للتحويل والاستثمار المالي .
ويمكن طرح عدة اسئلة في هذا الخصوص، اين السُلطات الاقتصادية من تقييم عمل هذه المؤسسات؟ ماذا قدمت هذه المؤسسات للقطاع الخاص والعام ؟ ماذا قدمت لعملية تنمية الجهاز المصرفي ومساهمته في الاستثمار؟ اين توجه هذه المصارف والمؤسسات المالية والاستثمارية رؤوس الامول؟ هناك الكثير من الاسئلة التي ينبغي على السلطات النقدية الأخذ بها والعمل على اعطاء اجوبة مقنعة على الواقع العملي والتنفيذي!
ربما نجد الاجوبة من خلال تحليل مبيعات البنك المركزي، التي اصبحت المورد الرئيسي لهذه المصارف وكالاتي:
-الدولار يباع حصراً الى هذه المصارف “التجارية” وشركات الصيرفة بسعر بيع نقدي (1190دع) لكل دولار واحد، والكميات المباعة يومياً عدا العطل الرسمية تتراوح ما بين (125-175) مليون دولار، وهذا رقم كبير جداً مقارنة بحجم الخسائر (الفساد) بين سعري البنك والسوق، اذ اعلن البنك المركزي ان مبيعاته بلغت خلال 2015 الى (44) مليار دولار، وفي ذات الصدد اعلن البنك المركزي من خلال تقريره الاقتصادي المنشور على موقع البنك، ان سعر الصرف الموازي (اي سعر السوق السوداء) وصل الى اكثر من (1300دع) لكل دولار واحد، هذا الاعتراف يضعنا امام فرضيتين:
١- البنك المركزي لا يعلم كيف يخرج من هذا المأزق وهو الفارق الكبير بين سعري البنك وسعر السوق السوداء، وهذا الامر مستبعد تماماً، لأن السُلطات تشاهد المصارف وشركات الصيرفة تبيع الدولار على اساس (130الف دع) لكل (100$) ولا رادع!، بعبارة اخرى يصل الفارق “النهب” الى اكثر من عشرة الاف دينار لكل مائة دولار تباع للمصارف وشركات الصيرفة من قبل المصارف، اي ان السلطات النقدية تشاهد هذا الكم الهائل من حجم الفساد المصرفي الدولاري وتقف مكتوفة الايدي، كما قلنا هذا الامر مستبعد تماماً!؟
-الفرضية الثانية، ويتم تأكيدها عبر احد عمالقة الاقتصاد، لا اذكر اسمه، قال لي بالحرف الواحد (( لا احد يستطيع ان يندك بمزاد العملة، المزاد مال السياسيين، اندك بالعراق ولا بالمزاد))، هذه الفرضية اجزمت بأنها صحيحة ومقبولة، وذلك من خلال مقارنتها بالفرضية الاولى المستبعدة، الان القارئ الكريم يستطيع ان يثبت صحة هذه الفرضية من خلال ممارسته لحياته اليومية، ومن خلال خسرانه بعض الوقت للدخول لموقع البنك المركزي ليرى كم هو سعر البنك؟ وكم هي الكمية المباعة؟ ومن الذي يشتري؟ وما هو سعر السوق الموازية ( وهي السوق السوداء التي تبيع الدولار بفارق اكثر من عشرة الاف دينار، والذي يسميها المركزي بالسوق الموازية!!).
-وقبل بدء العملية الحسابية لأستخراج حجم الفساد في البنك المركزي عبر نافذة مزاد العملة، ان محافظية البنك المركزي اليوم مملوكة للأحزاب كما في السابق، الا فترة معينة كانت مستقلة والدولار مستقر في فترة استقلالية البنك المركزي، كما والرقابة المالية مملوكة للأحزاب، والنزاهة والقضاء…
ان المصارف وشركات الصيرفة ايضاً مملوكة للأحزاب، ولا يستطيع احد ان يحاسبهم، سوى الاعلام ونشر المقالات والرأي العام، واتمنى من اي شخص ان ينطق ويتكلم بهذا الموضوع..
الان ما هو حجم الخسائر خلال سنة 2015؟
قبل ذلك تم احتساب الفارق بين السعرين على نحو معدل (10 الاف دع لكل 100$):
– 44 مليار دولار هي الكمية المباعة بسعر صرف من البنك المركزي = 1190 دع، اي بعد عملية حسابية يحصل البنك المركزي على مبلغ = 52,360 ترليون دينار، هذا هو المبلغ الرسمي.- اما المبلغ الموازي كما يسميه البنك المركزي، يمكن استخراجه ،وذلك عن طريق ضرب هذه (44) مليار دولار لسنة 2015 بسعر موازي في السوق 1300 وهو السعر الذي تبيعه المصارف وشركات الصيرفة والذي يساوي = 57,200 ترليون دينار!!!؟- اي ان حجم الفساد فقط في البنك المركزي، وفقط في ما يخص مزاد العملة لسنة 2015 = (52,360 – 57,200 )= 4,840 ترليون دينار عراقي!!!!!!!
هذا الامر لا يمكن السكوت عليه، ولم ارى ان الاعلام قد سلط الضوء عليه، هذا واحد من حجم الفساد الهائل في البنك المركزي، ومبلغ يصل الى (4) مليار دولار سنوياً، كفيل بأدانة كل من يعمل في موقع المسؤولية في البنك المركزي والمؤسسات الرقابية الاخرى، فما بالك بالتحويلات الخارجية الحكومية التي لم يفصح عنها المركزي بدعوى انها سرية وتمس امن الدولة؟ فما بالك بعمليات غسيل الامول ودخول سلع وهمية لقاء خروج العملة الصعبة؟ وما بالك في انخفاض الاحتياطيات النقدية بدون سبب؟ لا حياة لمن تنادي؟!!
-اطلعت على اسعار عملات اغلب البنوك المركزية، لم اجد فرقا يوازي سعر الصرف العراقي البنكي والسوقي، بل ان البنوك المركزي تعمد على اتخاذ اجراءات تستطيع من خلالها تغيير سعر الصرف بما يخدم الاقتصاديات الوطنية، اي ترفع سعر الصرف وتجني البنوك المركزي الفوارق، لأجل اهداف معينة كأن يكون هدفها دعم المنتج الوطني، اما السياسة النقدية في العراق تكللت فقط في المحافظة على الاستقرار النقدي، ولم تنجح بذلك بل نجحت سوى ببيع الدولار بنوع سعر الصرف الثابت المعوم، او اتخذت سياسة التعقيم النقدي، لكنها على المستوى السوقي لم تستطيع ايقاف مافيات الفساد التي استنزفت العملة الصعبة.