إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
بيت شعر فصيح، في معناه وبلاغته وحكمته، قاله يوما الشاعر العربي التونسي ابو القاسم ألشابي، وهو في ريعان شبابه، وتعلم منه شعبه التونسي
وأشقائه في المغرب العربي، وكل شعبه العربي أيضا.
وقد آمنت بهذا البيت الشعري العربي الثوري المتفائل ومعناه جماهير غفيرة من الشعوب العربية ، بعد أن كفرته، في تفسيره، خطب وأقوال تجترها
النخب الكهنوتية وتجار اللاهوت في السياسة، بتفسير غريب للقدر العربي، وما يصنعه في الشعوب المعدمة والمظلومة .
وقد حصر خطاب الاستسلام استجابة القدر/ الأقدار للسماء فقط ، دون تأثير ينسب إلى فعل معذبي الأرض المظلومة بجراحاتها من عذابات
الحكام العرب وقسوتهم.
وبعد سنوات الربيع العربي العجاف، كان لابد من مراجعة صريحة وقاسية مع الذات/الذوات العربية المنكسرة. نعم لقد تم التآمر على ربيع عربي
كان واعدا بخيره، بدأ في تونس التي عانت من دكتاتوريات نظام بورقيبة، وخلفه زين العابدين بن علي، وبطانات الحزب الدستوري الحاكم، الحزب
الواحد وقمع أجهزة داخليته وأمنه
. كان ربيعا واعدا بالحرية والانتفاضة الشعبية والحلم الوطني بالتنمية والديمقراطية ، واستعادة جوهر ومعنى الاستقلال الوطني.
ومن تونس الخضراء تحرك وعي شعبي مبشراً بسقوط أصناف من الأنظمة العربية الآيلة للسقوط، كان التساقط متتابعا وسريعا، كتهاوي أحجار
الدومينو، بدأ من تونس إلى مصر إلى سوريا إلى اليمن وليبيا ونحو العراق المحتل .
ولكن ذلك الحراك، جرى التآمر عليه وبسرعة ، بخبث ومكر واستغفال لوعي الشعوب ولغياب وعي نخبها الوطنية والثورية، وجرى العمل على وأد
كل انتفاضات شعبنا العربي، الواحدة تلو الأخرى، وفق آليات من التدخل والانحراف تتلائم مع ظروف كل بلد وظروفه الاجتماعية والسياسية ، جرى
تدمير الربيع العربي ، بلدا بعد بلد، لتحقيق أغراض ومرامي أخرى كانت مبيتة، عن طريق تسخير ترسانة الإعلام العربي الخبيث بقيادة “جزيرة” آل
حمد، وفضائيات بعض البلدان الخليجية و وقناة ” الحرة ” أمريكيا وعشرات القنوات الغربية المتابعة، عن كثب لكل صغيرة وكبيرة في أحداث وطننا
العربي.
وقد جرى تسريب مليارات الدولارات من المال السياسي الخليجي ،ودفع جماعات الإسلام السياسي وشخوصه، وتجنيدهم باحترافية عالية، ودفعهم إلى
ساحات الاعتصام، وتصدرهم واجهات الحراك، وارتفع الخطاب الاسلاموي على سواه من الخطاب السياسي، ومنها تمت اختيارات الأشخاص
والمجموعات بتوجيههم إلى واجهة السلطة وحركة الشارع العفوية، وعن طريق صندوق الانتخاب بعدها، تم تشويه كامل لمضمون الديمقراطية
وأصولها وقوانينها، حيث جرى استلاب إرادة الشعب في كل الحالات بالتزوير وحتى استعمال الترهيب والترغيب في أكثر من حالة ، وهكذا وصلت
قوى الثيوقراط المشبوهة ، خلف واجهات من أللحي والسبح والجلابيب والصراخ بشعار ” الإسلام هو الحل”، فجاءت عصابات ومافيات وقوى لم
تعرف الديمقراطية في حياتها وسلوكها يوما، فعبثت بكل ما هو قائم من بقايا الدولة القطرية الهشة، وفسدت وأفسدت غيرها أخلاقيا وسياسيا
واجتماعيا ، حتى دفعت الناس إلى الترحم على ذكرى ممارسات أنظمة الدكتاتوريات السابقة، ودفعت موجات الإرهاب والعنف المنظم واليأس،
الشعوب العربية إلى حافة ممارسات العنف والحرب الأهلية وتقسيم البلدان إلى كانتونات وإمارات لحيتان الفساد والمافيات السياسية ، وشملت
قطاعات واسعة من السكان المجاعة والعوز والفقر والاضطرار إلى النزوح والهجرة، وفتح الباب واسعا لتزوير الانتخابات، وفقدان هيبة الدولة القطرية
الهشة، حتى صار الناس يحلمون بالتغيير ولو عن طريق الانقلاب العسكري ، حتى ولو كان مشبوها هو الآخر.
هل تستفيد الشعوب العربية من درس الربيع العربي هذه المرة ؟ وهل للخريف الذي بدأ من البصرة والى تونس منذ فترة، ولو على بطئ واحتراس،
وستلحقه بلا شك ساحات عربية أخرى ، هل يرتجى من هذا الحراك الجديد إمكانية إسقاط كل ما تبقى من الأوراق الذابلة واليابسة والعالقة بشجرة
الحياة العربية.
تصلنا الأخبار عن إعلان الشعب التونسي عن حراك جديد يتجلى في إضراب عام في تونس ، وهو يشل مظاهر الحياة والاستقرار في تونس. فهناك
حشود الغاضبين تطالب بإسقاط الحكومة التونسية وسط مخاض شعبي واجتماعي وسياسي قلق وغاضب إلى حد الذروة والاشتعال؟.
هل ستسقط الحكومة التونسية؟ ، أم سيمارس بقايا لاعبي الربيع العربي لعبة الساحر والمشعوذ، ولاعب السيرك؟ ، هل هناك من منقذ ؟ والأشرار
في خبرتهم لا زالوا يلعبون الأدوار الجديدة والقديمة، بنشر أوهام السياسة بين شعوب عربية منكوبة بنخبها وحكامها، وهي باتت جائعة وجريحة في
كرامتها الوطنية والقومية وحتى الإنسانية.
هل العراق، وبلدان عربية أخرى مرشحة وتحسب في قائمة الانتظار للخريف والشتاء العربي الجديد بعد انتفاضة البصرة الأخيرة التي تكالبت عليها
قوى داخلية وخارجية لإيقافها، بانتظار وعود إصلاح بقدوم حكومة عراقية جديدة، ستسقط حتما كسابقاتها؟.
إن وضع العراق مرشح لخريف وشتاء عربي لإسقاط العملية السياسية الاحتلالية المخابراتية.
وإننا لمنتظرون.
وان غدا لناظره قريب