كان الجزار يشحذ سكينه، ليجلب أول خروفْ من الزريبة المجاورة للمسلخ، في حين كانت الخراف تأكل، وتشرب بلا إهتمام لما سيجري لها، دخل الجزار فجأةً وسط الزريبة، فوقع الإختيار على أحدها، أمسك الجزار بقرنيه محاولاً سحبه، ولكن ذلك الكبش كان فتيّاً في السن، وقد شعر برهبة الحدث وهو يُقاد إلى الموت، وواصل ذلك الكبش إنتفاضته كالأسد الهصور، فإستطاع أن يهرب من بين يدي الجزار ببراعة، دخل الكبش الشاب وسط القطيع، ونجح في الإفلات من الموت.
لم يكترث الجزار بما حدث كثيراً، فالزريبة مكتظة بالخراف، ولا داعي لإضاعة الوقت في ملاحقته، فأمسك الجزار بخروفْ آخر، وجرّه من رجليه وخرج به، كان الخروف الثاني مسالماً مستسلماً، ولم يبدِ مقاومة إلا صوتاً خافتاً يودًّع فيه بقية القطيع، نال ذلك الخروف إعجاب جميع الخراف في الزريبة، وباتت جميعها تثني عليه بصوت مرتفع وتهتف بإسمه، ولم تتوقف عن الهتاف حتى قاطعها صوت الجزار الجهوري، وهو يقول: بسم الله والله أكبر، فخيّم الصمت الرهيب على الجميع.
وصلت رائحة الموت إلى الزريبة، ولكنهم سرعان ما عادوا إلى أكلهم وشربهم، وهم يرفضون أي فكرة لمقاومة مَنْ يذبحهم، كان الجزار من قبل، يتجنب أن يذبح خروفاً بعيداً عن عيون الخراف الأخرى، حتى لا يثير غضبها، وخوفاً من أن تقوم تلك الخراف، بالقفز من فوق سياج الزريبة والهرب بعيداً، ولكنه حينما رأى إستسلامها المطلق، أدرك أنه كان يكلف نفسه فوق طاقته، فصار يجمع الخراف بجانب بعضها البعض، والأحياء منها تشاهد مَنْ سبقت إليهم سكينُ الجزار.
فكر الكبش في طريقةْ للخروج من زريبة الموت، وإخراج بقية القطيع معه، بينما كانت الخراف تنظر إليه، وهو ينطح سياج الزريبة الخشبي، مندهشة من جرأته وتهوره، لم يكن ذلك الحاجزالخشبي قوياً، فالجزار يعلم أن خرافه أجبن من أن تحاول الهرب، وجد الخروف الشجاع نفسه خارج الزريبة، صاح في رفاقه للخروج قبل أن يطلع الصباح، ولكن لم يخرج أحد من القطيع، بل كانوا جميعاً يشتمون ذلك الكبش ويلعنونه، ويرتعدون خوفاً من أن يكتشف الجزار ما حدث.
وقف ذلك الكبش الشجاع، ينظر إلى القطيع في إنتظار قرارهم الأخير، تحدث أفراد القطيع مع بعضهم، في شأن ما أُقترِح عليهم حول خروجهم من الزريبة، والنجاة بأنفسهم من سكين الجزار، وجاء القرارالنهائي بالإجماع مخيباً، ومفاجئاً للخروف الشاب، وفي الصباح جاء الجزار ليكمل عمله، فكانت المفاجأة الأولى مذهلة، سياج الزريبة مكسور، ولكن القطيع موجود داخل الزريبة، ولم يهرب منه أحد! ثم المفاجأة الثانية حينما رأى في وسطها خروفاً ميتاً، كان جسده مثخناً بالجراح، وكأنه تعرض للنطح!
كم من أهداف، ومشاريع، وخدمات، كانت الحكومة تنوي تقديمها لأبناء شعبها، لكنها أُهمِلت بقصد أو بغير قصد، لأنها أقنتعهم بكونها لا تستطيع الآن، المهم أن تركز تفكيرها على جانب الأمن، ولم تدرك أن السياج الخشبي المحيط بحدود العراق، سيجلب لنا عشرات الآفات الفكرية والإجتماعية: (الفساد، والإنحراف، والطلاق، والمخدرات، والعمالة للأجنبي، والهجرة ،والتطرف)، ولو سمحت الحكومة للشرفاء بالعمل النزيه، لما إستكان الباقون، وإكتفوا بالتفرج والنظر لتوافه الأمور، لذا تذكروا:”وما كانَ ربُّكَ ليُهلَكَ القُرى بظُلمٍ وأهلُها مصلحونَ”.
ما دامت الناس لم تقرر التغيير، والهروب من جبنها وسلبيتها، فإن الأبطال سيكونون ضحية، ولكننا نرفض أن نكون مثل هذا الخروف الثائر، فلابد أنه قد ترك في نفوس البعض قيماً ثائرة، رغم وجود مَنْ هم للحق كارهون، وعن الحرية والكرامة معرضون، لذا فطريق الإنتخابات قادم، عندها لاتبصم بصابعك العشرة، إترك إصبعاً لعلك تحتاج لأن تعضه ندماً! وحتى ذلك الحين، أنت في دورة تدريبية، فإمتلك منها درساً كبيراً، هو أنك تستطيع التغيير، وما يزال لديك الوقت.