في كل عام تعود من جديد الاثارات للشبهات التي تطرح حول ثورة الإمام الحسين (عليه السلام), وبعض الاثارات تطرح بدافع السعي للمعرفة وفهم ما جرى وكشف للمبهمات, لكن هناك طرح أخر يقصد منه التشكيك بثورة الإمام الحسين, ويهدف لزعزعة الأيمان بمنطلقاته الثورية, وهذا الطرح يجب أن يرد عليه لإسكاته, وإيقاف مخططه الخبيث, فان عدم الرد عليه يخلق مفسدة كبيرة,وهنا يأتي دور الخطباء والنخبة في عملية تشكيل محور الدفاع عن الثورة, وتوضيح الإشكالات للجماهير, كي يتحول جهد الخبيث الى سراب.
وهناك طرح يقصد منه التذكير, واعتبار أيام محرم موسم سنوي لشرح منطلقات الثورة ورد الإشكاليات التاريخية, بهدف تثقيف الأجيال ونشر الوعي الحسيني.
سنتطرق الى أهم الإشكالات بشكل متتابع, وهنا نطرح أشكال سنوي, قد دعمته السلطات من زمن بني أمية الى اليوم لأبعاد تهمة الظلم عنهم ووضع الأمر برقبة الإمام باعتباره مخطئ وليس ثائر:
الإشكال:
عندما خروج الإمام الحسين الى كربلاء ضد سلطة بني أمية وحاكم الشام يزيد, وهو يعلم بأنه مقتول, بحسب إشارات نبوية, أو قراءة للواقع القائم, الا يعتبر ذلك ألقى النفس في التهلكة؟ وهو حرام بنص القران الكريم (( ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة))-البقرة-195 ؟
للجواب عن هذا الإشكال نحتاج لعدة وجوه:
الحقيقة بحثت عن الجواب في كتاب الأعلام, فوجدت أن رد هذه الإشكالية في اربع مستويات, وهي كالأتي:
أولا: حول الآية الكريمة التي ذكرت بالإشكال, يمكن القول أن الآية خاصة وغير عامة, حيث أن المخاطب بها غير محدد, وبالتالي أن عمومها غير محدد.
وقد يقول قائل أن الأشهر بخصوص الآية هو العموم, وأن الضمير يعود الى سائر المسلمين بما فيهم الأئمة (عليهم السلام), وهذا الكلام يكون صحيحا لو خلي وطبعه، الا أنه توجد في الآية قرائن صادقة عن كون الخطاب لغير المعصومين (عليهم السلام), فانه تعالى يقول: “وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة وأحسنوا أن الله يحب المحسنين”، ومن الواضح أن الأمرين الأول والأخير خاص بغير الأئمة عليهم السلام, بل بغير المعصومين وغير الراسخين في العلم عموما، لأن أمثال هذه المستويات العليا من الإدراك لا تحتاجه، وإنما يعتبر إليها من توضيح الواضحات بل يكون الخطاب بهذه الأمور قبيحا, وحاشا أن يكون كلامه جل وعلا من القبيح.
النتيجة: أذن فقد وقع النهي عن التهلكة في سياق الخطاب لغير أهل البيت (ع)، فنعرف من وحدة السياق أن النهي عن التهلكة غير شامل لهم أيضا, وهكذا ينتفي الإشكال.
ثانيا: من الثابت عند الشيعة الأمامية أن المعصومين (عليهم السلام) مسددون بالإلهام من قبل الله سبحانه وتعالى، ولذا لديهم نوعان من التكاليف: ظاهرية وباطنية.
التعاليم الباطنية يعرفونها بالإلهام، وهي أهم وأخص من التعاليم الظاهرية, فلا يكون هذا المورد حراما على المعصوم, بل يغدو واجبا بمقتضى الإلهام الإلهي الثابت لديه, فيتقدم نحوه بخطوات ثابتة, ممتثلا أمر الله سبحانه وتعالى، وراجيا ثوابه الجزيل ببذل النفس في هذا السبيل, ولعل في قول السيدة زينب (عليها السلام) بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام): “ربنا تقبل منا هذا القربان” خير دليل على ذلك.
هذا الدليل لرفع الشك عند من شكت قلوبهم بابن بنت رسول الله.
ثالثا: هنا تصور مهم يدفع الإشكال تماما, وهو انه من الممكن أن لا يراد من التهلكة المنهي عنها في سياق الآية الكريمة التهلكة الدنيوية، بل المقصود هو الهلاك المعنوي أي الكفر وإلقاء النفس في الباطل والعصيان والانحراف، وهو أمر منهي عنه بضرورة الدين.
وبذلك تكون الآية أبعد ما يكون عما يريد الاستدلال بها عليه، بل على العكس تكون حركة الحسين (عليه السلام) مصداقا لها, حيث أن من أهم أهداف حركة الحسين (عليه السلام) التصدي للانحراف عن خط الإسلام الأصيل.
فانظر لحجم التضليل الذي يمارسه أعداء أهل البيت والمدافعين عن الباطل في كل عصرا ومصر.
رابعا: لو قلنا بحرمة التهلكة، فإنها إنما تحرم ما دام صدق العنوان موجودا, والمفهوم عرفا وعقلائيا أن التهلكة هي الصعوبة البليغة دون نتيجة صالحة لتعويضها.
فإذا طبقنا ذلك على حركة الحسين (عليه السلام)، فلاحظنا نتائجها الدنيوية والأخروية لم تكن تهلكة بأي حال، بل تضحية بسيطة مهما كانت مريرة في سبيل نتائج عظيمة, ومقامات عليا في الدنيا ولآخرة.
خامسا: انه لا يحتمل فقهيا وشرعيا في الدين الإسلامي أن تكون كل تهلكة محرمة, بل الآية الكريمة أن وجد لها أطلاق وشمول فهي مخصصة بكثير من الموارد، مما يستحب أو يجب فيه إلقاء النفس في المصاعب الشديدة أو القتل كالجهاد وكلمة الحق عند سلطان جائر وتسليم المجرم نفسه للقصاص.
أذن فليس كل تهلكة محرمة، وثورة الحسين (عليه السلام) أحد هذه الاستثناءات.
سبب أخير مهم
بسبب ردة الفعل الجماهيرية العنيفة ضد السلطة الأموية بعد انتهاء واقعة كربلاء, فهي لجأت لرواة الحديث والكتاب والشعراء كي تؤثر في المتلقي, ونسبت قتل الأمام بسبب خروجه على التقي النقي يزيد! وعمدت على تكريس هذه الفكرة الخبيثة, والتي بقي والى اليوم يرددها الكثير من الكتاب والمنافقين والنواصب, فاليوم هنالك من يغرد عبر المنابر طعنا بالإمام الحسين, ويدافع عن يزيد! مما يأخذون دينهم من السلطة.
ويحاول هذا الخط التأثير على عقيدة الجماهير وإخضاعهم للسلطة, لان الإيمان بالحسين وشعاراته, يعني قيام ثورة ضد الظلم, وتعرية دين النواصب, وفضح للمخطط القديم للقضاء على الإسلام الأصيل, وهذا ما لا يريده الطغاة في كل عصر ومصر.