23 ديسمبر، 2024 6:01 ص

خرق القانون يعجل بإراقة الدماء

خرق القانون يعجل بإراقة الدماء

ما من مجتمع وصل الى الرقي أو سعى له؛ إلا وكان الإصلاح معبر ومبرر لتطوره ونهضته، ولا شك أن بعض القوى السياسية أخطأت، ولم تُعبر عن  آمال جماهير ولم تكبح هواجس المرحلة الإنتقالية والعناية بالتحول الى الديموقراطية دون ألم؛ بإنتشال هاديء من دكتاتورية قمعية بدائية؛ الى ديموقراطية تحررية تعددية، ويكون الشعب مصدر سلطاتها والحاكم لا محكوم بأهواء سياسية.
إرتبط مفهوم الإصلاح بتنوير الشعوب، وتسليط الأضواء على أدوات الخروج من الإفساد، وتصحيح مسار الأضرار الى منافع. يشهد الواقع العراقي من سنوات؛ كَمٌ من الإعتراضات ارتبطت بعاملي الشخصية الداعية للخدمات والأمن والإقتصاد الفردية، وآخرى بعلاقة سياسية  مشحونة من جهات مستفيدة من الفرقة وتشرذم المواقف الشعبية؛ فسكتت الجماهير عن طرف وإعترضت على أطراف؛ تبعاً للحزبية والدينية والعشائرية والمصلحية، وتحول الإعتراض الى إحتجاجات جماهيرية مرة بأسماء مدنية معترضة على الحركات الدينية، والآخرى دينية معترضة على إفساد المدنية، وكأن الخلاف صار عن علاقة الدين بالسياسة.
خرج  الإصلاح عن مفهومه البنائي؛ الى إستهلاكي وإلتفاف على جماهير غاضبة لخدمات تمسها يومياً، وجاءت دعوة المرجعية ضاغطة على الحكومة والقوى السياسية، وإعتبرت الإصلاح معركة لا تقل شأناً عن محاربة الإرهاب، وهذا ما أعطى للحكومة دوافع تبني حزمة إصلاحات أعاقتها إختلاف وجهات نظر آليات الحلول، وغياب الموقف الجامع للمصلحة الوطنية، وإتخذ من الشعار وسيلة آخرى للتسلق على ظهور جماهير؛ لا تكسب من الخلافات إلاّ سيل المفخخات وتعمد تعطيل الخدمات ومزايدات ومراهقات تستخدم الجياع حطب لحربها  على الكراسي، وهذا ما أغضب الجماهير والمرجعية، وطيف من الجماهير إنزاح تحت سطوة الشعاراتية.
من يحطم مَنْ ومَنْ يكسر إرادة مَنْ ومَنْ يستخدم الجماهير؟! مدنيون مخالفون للإسلامين، وإسلامين يرفضون المدنيين، وتركت حلول تنبع من أسس دراسة المواقف بإستراتيجية وتعامل بواقعية، فتحرك المدنيون لخيام الإعتصام ولم ينف الإسلاميون وجودهم، وصولاً الى إقتحام البرلمان ومجلس الوزراء، ومن ثم مهاجمة مقار الأحزاب وتمزيق صور العلماء والشهداء والمجاهدين، ولم تتبنى جهة تلك الخروقات، ولا سبب الإعتداء على صور شهداء وحركات تبذل دماء في سبيل محاربة الفساد الأكبر المتمثل بداعش.
إن الإصلاح لا يمكن أن يأتي بطرق فاسدة وخرق القانون، ومن قوانين التظاهر أن تبلغ الجهة المتظاهرة عن عملها وشعاراتها وقادتها وأهدافها، وأن تكون أهدافها وطنية لا تسعى لتغليب طرف على آخر؛ بإستغلال إنشغال الدولة بالمعركة، وفتح جهات إشغال داخلية قد تؤدي الى حروب مجتمعية، ولا يمكن أن نصدق أن فاعل الخروقات جهة مدنية تؤمن بالتعددية، أو جهة إسلامية ممثلة حكومياً، وعلينا السؤال عن من يقف وراء الخروقات، وتسأل تلك القوى نفسها؛ عن من يندس بين صفوفها، وهذه مسؤوليتها.
الإصلاح لا يسمى بهذا المفهوم؛ إذا كان يشكل خطر على الدولة ويسمح بشق الصف والتدخلات الأجنبية.
 لا بأس أن يجتمع المدنيون والإسلاميون على توحيد الخطوات الإصلاحية، ولكن إحترام القانون ركيزة أساسية، وصحيح أن من حق الجماهير التعبير عن إعتراضاتها وتطلعاتها؛ بشرط أن لا تسيء الى تاريخ بلادها وتضحيات شهداءها، ونعم من واجب الحكومة المحافظة على التظاهر ومنع إراقة الدماء؛ لكن السماح للتجاوز على هيبة الدولة وحرية التعبير والتعددية، ومنع رأي الآخر بالقوة، فأن تلك الخطوات ستعجل بإراقة الدماء، وتسمح للتدخل الخارجي، الذي يحاول إسقاط العملية السياسية، وإفشال معركة حشدها أغلبية شعبية.