لقد كانت للتشريعات والقوانين الدولية المتمثلة بأتفاقيتان متتاليتان في باريس وشيكاغو أقرار واضح وصريح لمبدأ حرية الأجواء فوق سماء كل دولة من دول العالم من خلال منحها حق السيادة كاملة والحصرية على المجال الجوي الموجود فوق أراضيها , شريطة أن تنظم أدارة هذه السيادة وفق قوانين محلية مشرعة من قبل سلطة الطيران المدني للدولة , ولعل أهم هذه القوانين تتمثل بأستحصال الموافقة المسبقة بالعبور فوق الأجواء .
أذن معنى السيادة في مفهوم عالم الطيران تشير الى الملكية الحصرية للدولة على مجالها الجوي كجزء من السيادة العامة لها , مع وجوب فصل مسئولية تقديم خدمات أدارة الحركة الجوية للطائرات العابرة فوق الأجواء عن هذه (الملكية الحصرية ) وأناطة تقديم هذه الأعمال عبر شركات خدمات ملاحية حكومية أو خاصة ( محلية كانت أم أجنبية ) تقدم خدماتها التخصصية تلك دون الانتقاص من مفهوم السيادة للدولة, وهو ماورد في نص تعريف ألتزامات الدول في المادة 28 من اتفاقية شيكاغو وأيضا في مقرارات الجمعية العمومية لمنظمة الأيكاو ذو الرقم 37-15 – في الملحق م , وفي محتواه ” ( لم ) يلزم الدول بتقديم خدمات الملاحة الجوية فوق أرضيها بنفسها وأنما أقر لها حرية تحديد الوقت والمكان الذين تختارهما في تفويض من يقدم تلك الخدمات (أجنبي أو محلي ) شرط توفير الامتثال لأجراءات السلامة التشغيلية ” .
من هذه المقدمة المطولة لشرح الفرق بين مفهوم السيادة على الاجواء وتقديم الخدمات الملاحية التي تنظم عمل هذه الاجواء والتي قصدت منها توضيح لموضوع شغل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كثيرا هذه الايام في العراق ويدور حول ( خرق سيادة الاجواء العراقية بوجود الشركة الاجنبية ) , علما أني لست في موقف المدافع عن تلك الشركة الاجنبية التي قدمت خدماتها في فترة ما كان قطاع الطيران العراقي في أمس الحاجة لها ( كمقدم خدمات ملاحية ) بل على العكس تماما كنت ومنذ فترة أطالب الجهات المسؤولة عن هذا الملف بضرورة أنهاء عمل هذه الشركة الاجنبية بعد التقدم الملحوظ لكفائة كوادرنا الوطنية في شركة الملاحة الجوية العراقية بتنظيم ادارة الأجواء فوق العراق وخصوصا انهم يتمتعون بالخبرات الكافية والتخويل اللازم للإدارة دون الاعتماد على شركة سيركو أوغيرها من الشركات الاجنبية , ولكن يجب الانتباه الى أن تتم تكملة باقي الاجراءات الورقية والقانونية لاستقلالية هذه الشركة وخصوصا في موضوع الحصول على تعاقد رسمي مع شركة تأمين عالمية معتمدة تغطي أعمالها, وموضوع ليس مستحيلا فكل شركات التأمين في العالم هي أستثمارية تبحث عن فرص ربحية وفق متطلبات تضعها لحماية أموالها ومن اهمها السلامة .
أذن هنا يجب تنبيه المفاوض العراقي في هذا الموضوع سواء كان من شركة الملاحة الجوية أو ممثلي الشعب في مجلس النواب أو مسؤولي الوزارة المعنية حول التركيز على جعل فقرات التفاوض مع ممثلي الشركة الاجنبية تتعلق بأنهاء دورهم كمقدمي خدمة أنتفت الحاجة لوجودهم بأنتهاء الفترة التعاقدية معهم دون الخوض في موضوع السيادة ! …. وترك موضوع (الاتفاقية الاطارية) التي تتمسك بها الشركة الى شركة قانونية دولية متخصصة بحل هكذا نزاعات , والاهم توفير الدعم المعنوي والمادي لكوادر هذه الشركة الفتية لكي تكمل مشوارها وتحديها بنجاح ….. وهم أهل لها