18 ديسمبر، 2024 7:13 م

#خرجنا_لطلب_الاصلاح

#خرجنا_لطلب_الاصلاح

استبشر العراقيون خيرا بعد ان قادت الولايات المتحدة تحالفا دوليا لاسقاط نظام صدام حسين واستقبل الكورد والشيعة تحديدا افراد الجيش الامريكي بالزغاريد والزهور ( اذا استنكف احدكم من الامر وانكره، فاسثبت له ذلك في مقالة أخرى). بالتأكيد لم يكن الاحتفاء بقوات غازية متأت من نقض بالوطنية بل لانهم لم يروه الا تخليصا لوطنهم من احتلال داخلي بشع يقوده دكتاتور متجبر عجزوا عن ازاحته.
تمت بعدها كتابة الدستور العراقي الجديد واستفتي عليه الشعب في 15 تشرين الاول 2005 ، فمرر وصار ملزما للتنفيذ عام 2006. وتم على اساسه ، برعاية امريكا والامم المتحدة، استحداث مفوضيات وهيئات مستقلة كالنزاهة والانتخابات وحقوق الانسان وغيرها وفصلت عن السلطة التنفيذية مؤسسات مالية وحقوقية واجتماعية أهمها البنك المركزي العراقي واقيمت الانتخابات البرلمانية الاولى في شهر كانون الاول عام 2005.
وترأس محمد رضا السيستاني ،ممثلا مراجع النجف، حملة لحث العراقيين الشيعة على الاقبال بكثافة على صناديق الاقتراع وتحريم انتخاب القوائم العلمانية والقوائم الصغيرة “وان كانوا من المؤمنين” بحجة ان ذلك سيشتت الاصوات. كان هذا اخطر تدخل لحوزة النجف والعامل الرئيس لوصول الاحزاب الاسلامية الشيعية الى السلطة بعد ان تكللت مباركة حوزة النجف للائتلاف الوطني الموحد -او مااطلقوا عليه ائتلاف الشمعة- بالفوز بالانتخابات الاولى وما تلاها من نتائج كارثية في الحكم وادارة الدولة الذي نعاني منه حتى الآن.
انقلبت احزاب الاسلام الشيعي على الديمقراطية الوليدة في العراق ولكن انقلابها كان تدريجيا لذا لم يلحظه الشعب للوهلة الاولى وكان الوقت قد فات حين ايقن الناس ان العراق متجه الى ديكتاتورية ثيوقراطية. مارست الاحزاب الاسلامية الشيعية بدراية او دون دراية سياسة طبخ الضفدع حسب الحكمة الانكليزية المعروفة (Boiling Frog Story) -إذ تقول القصة انك اذا مااردت سلق ضفدع، لايفترض بك ان ترمه في ماء يغلي لانه سيقفز خارج القدر ولكن ضعه في ماء دافئ واحمه تدريجيا، وسيكون الوقت متأخر جدا عندما ييقن الضفدع انه يسلق.
بعد 14 عام من الانتخابات وتداول السلطة السلمي، لم تبرح احزاب الاسلام السياسي الشيعي سدة الحكم لكنها استمرت في تبادل المراكز القيادية حسب نتائج الانتخابات. لم يبق في العراق الا اطلالا لنظام أسس له كي يكون ديمقراطيا: حال انسحاب القوات الامريكية من العراق استحوذت الاحزاب الاسلامية الشيعية على السلطة ونكلت بشركائها من بقية المكونات الاجتماعية والغت استقلالية الهيئات والمفوضيات المستقلة وطردت مسؤوليها المستقلين وحزبتها وحاصصتها وتاليا أماتت دورها الرقابي وركنت الدستور جانبا وآثرت التوافق السياسي بدل المنافسة الديمقراطية.
وقد تصاعد الغضب الشعبي نتيجة الفساد الذي بلغ حدا غير مسبوق ليس في العراق فحسب بل في العالم وهو يتضاعف يوما بعد آخر ولم توقفه التظاهرات الشعبية العارمة التي لم تهدأ منذ تظاهرات شباط 2011. تلك التظاهرات التي دشنت تجرؤ مسؤولي الاسلام السياسي الشيعي على مواجهة المتظاهرين العزل بالنار والتعذيب والخطف حيث استشهد 45 متظاهرا سلميا، 29 منهم استشهدوا في يوم الغضب 25 شباط . اهم قادتها المرحوم هادي المهدي استنجد بالحوزة عندما وصلته تهديدات بالقتل، وعندما قتل بطريقة الاعدام بدم بارد كتلك التي قتلت فيها سارة طالب وزوجها حسين عادل، صمتت الحوزة صمت القبور ولم تكن شجاعة في تحمل مسؤوليتها في دعم احزاب الاسلام السياسي في حملاتهم الانتخابية وشيطنة العلمانيين والمستقلين ” وان كانوا مؤمنين” ولم تطلب حتى محاكمة قتلة المتظاهرين بشكل واضح وصريح. بل كل بياناتها كانت تدعو الى التهدئة ويشمل شجبها للفساد المالي والادراي الذي تمارسه الحكومة يشمل احراق المؤسسات الحكومية وكانها تحمل ضمنا المجني عليهم مسؤولية موتهم.
وحتى الفتاوى التي تصدر من حوزة النجف بعد كل فاجعة وامر جلل، تخرج غامضة ولا احد يفهم تفسيرها وكأنها كتب التسريح التي كانت تصدر أيام الحرب العراقية الايرانية، إذ كانت تصاغ باسلوب مبهم لايستطيع حتى واضع علم النحو العربي ابو الاسود الدؤلي معرفة اذا ماكان الواحد مشمولا بها ام لا.
بعد اسبوع كامل من القتل والقنص وبعد ان نكل بقادة التظاهرات الاخيرة واغتيلوا بدم بارد وبعد ان وضعت الحوزة على المحك، خرجت علينا ببيان باهت يطالب بالتحقيق ومحاكمة قتلة المتظاهرين ولو انه أجرأ قليلا من بياناتها السابقة. ويقينا ان وضوح الشجب هذه المرة ماكان ليأتي لولا الضجة والشجب الدولي الكبير للكيفية التي واجهت بها الحكومة ” الاسلامية الشيعية” الشباب “الشيعة” المتظاهرين سلميا. بيان الحوزة المتأخر يذكرني بطريقة تحكيم ع.ع : عندما كنا في المتوسطة كنا كعادة اغلب الشباب العراقيين نلعب كرة القدم في ساحات غير رسمية، فنضع أحجارا أو احيانا اطارات قديمة او نغرس في الارض عصي لتحديد الاهداف. وعندما يسجل احدنا هدفا يرتفع الجدل والصراخ بين الفريقين بين من يؤكد وبين من ينفي الهدف إذ ليس من السهل رؤية مسار الكرة اذا كانت فوق “الرمانة” او بجانبها الداخلي او الخارجي. لم يقرر الحكم ع.ع على الحال ،مثلما تقر قوانين اللعبة، بل ينتظر ليرى اي فريق يصرخ اعلى او عازما أكثرعلى العراك فيحكم لصالحه.
لقد كان فشل قادة الاسلام السياسي الشيعي في الادارة والحكم فشلا ذريعا وادرك الشيعي الواعي والمثقف هذه الحقيقة لذا لجأوا الى البسطاء من اصحاب الوجدان الطليق وراهنوا على تضليلهم فأشاعوا كذبة مفادها انهم هم وحدهم من ضمن للشيعة حق ممارسة شعائرهم الحسينية التي منعهم البعثيون من ممارستها فاختزلوا كل الانجازات المتحققة خلال ال 16 سنة الاخيرة بضمان حرية ممارسة الطقوس الدينية الشيعية. لكن هل ياترى سيضمن سياسيو الاسلام السياسي الشيعي حتى حق الشيعة في ممارسة شعائرهم لو انها استغلت للتظاهر السياسي واظهار الغضب والنقمة على السلطة مثلما كانت تستغل في سنوات حكم البعث؟ يقينا انهم سيمنعونها وحينها لم يبق لهم شيئ يميزهم عن البعثيين ويكونوا قد برروا بذلك ما كان يرتكبه البعثيون بحق الشيعة في ممارستهم شعائرهم الحسينية. حقيقة لاادري لماذا اتمنى على المتظاهرين ان يُذَكّروا ملايين الزائرين بفساد الحكومة وعمالتها تحت الشعار الحسيني #خرجنا_لطلب_الاصلاح. المتظاهرون خرجوا لطلب الاصلاح اقتداءً بامامهم سيد الشهداء الحسين (ع) فوجه يزيد انصاره بان يطلقوا النار عليهم فواجهه ابناء الحسين بصدور عارية وايمان راسخ بقضيتهم. كلي أمل ان يتضامن زوار الاربعينية القادمة مع ضحايا القنص الحكومي الغادر.