9 أبريل، 2024 2:40 ص
Search
Close this search box.

خرافة تشكيل الاقاليم في العراق

Facebook
Twitter
LinkedIn

من اكثر الخرافات السياسية المتداولة في العراق ومنذ 10 سنين الى اليوم هي التلويح بتشكيل اقليم مشابه لاقليم كردستان تجري من تحته انهار العسل والخمر وفيه الخلاص من كل اشكال الفساد والتخلف وبناء مؤسسات مدنية متطورة تجعل الاقليم منافسا او مساويا لدبي او الكويت كما يقولون. على الجانب الاخر هناك من يتهم المنادين بالاقاليم بانهم يسعون لتقسيم وتفتيت العراق وجعله لقمة سائغة واحجارا للعبة الدومينو بيد دول الجوار. وبين جنة او جحيم الاقليم الموعود يتم تغييب المواطن العادي في خرافة اخرى لاداع لها وبدون تحليل موضوعي لفكرة الاقليم. هذا بدون التشكيك بنوايا اي من الطرفين ولا دوافعهما.

دستورية الاقاليم: بتصوري ان دستور العراق النافذ لعام 2005 هو من النوع السهل الممتنع وصمم بطريقة لاتسمح بتشكيل اي اقليم اخر غير اقليم كردستان الذي اقر وقنن حقيقة وجوده الاسبق من الدستور نفسه. ولذر الرماد في العيون وحتى لايتنابز المتصارعون الاخرون سمح بتشكيل اقاليم اخرى بكل صراحة بل وبسط كل اجراءات التكوين الى درجة تجعله غير قابل للتنفيذ وينافي روح وجوهر الدستور. وفقا للمادة 19 فان من حق عشر الناخبين باي محافظة اومجرد ثلث اعضاء مجلسها التقدم بطلب لتشكيل اقليم ولم يحدد اي شروط اخرى. ووفقا لقانون 13 لعام 2008 فان الطلب يقدم لمجلس الوزراء الذي قد يقبله او يرفضه ولكنه بكل الاحوال سيرفعه او يصل الى خبراء قانونيين او الى المحكمة الاتحادية للبت فيه. وحيث ان تشكيل اقليم جديد مهما كان حجمه وعدد محافظاته هو تغيير كبير في شكل وهيكلية الدولة العراقية فلا اقل من ان يعامل كتعديل دستوري, وفقا لاستنتاج الاتحادية المتوقع, وهذا يتطلب موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب زائد الاستفتاء العام عليه (وربما زائد عدم اعتراض 3 محافظات). وهذا ما لن يتحقق بالمطلق. فلا سكان بغداد مثلا وهم 7 الى 10 مليون ولا سكان كردستان سيوافقون على اقليم جديد منافس, هذا ان اتفق باقي السنة والشيعة على ذلك!!

عدد الاقاليم: يتفق العراقيون الان بل ومنذ ان طرحت امريكا الفكرة قبل سنوات على رفض فكرة الاقليم السني الشامل لمحافظات الغربية الساخنة والدافئة وعلى رفض الاقليم الشيعي الشامل لمحافظات الوسط والجنوب جميعا, لان في ذلك تقسيم واضح للعراق وعلى اسس طائفية. لهذا خرج علينا دعاة الاقاليم بفكرة الاقليم المحافظة. وكنوع من الفنطازيا ولاظهار عدم طائفيتهم او انانيتهم يقترحون انشاء 18 اقليما بعدد المحافظات! متناسين ان بغداد العاصمة لايحق لها دخول او تكوين اقليم حسب الدستور, ومفترضين ان الكرد سيقبلون بتقسيم اقليمهم الموحد المزدهر الى 3 اقاليم, ومجبرين محافظات اخرى لم تنادي يوما بالاقلمة مثل ميسان والمثنى وديالى مثلا على بلع لقمة لايستسيغوها. وبالتالي سنجد ماتبقى من محافظات تنادي بالاقلمة بعدد اصابع اليد الواحدة مما سيعرضهم لتهمة الذاتية العالية والرغبة بالانفصال.

موارد الاقاليم: من اهم ادعاءات مروجوا الاقاليم ان موارد المحافظة ستظل لهم ليتصرفوا بها كما شاؤوا, وان على بغداد ان تخصص لهم ايضا حصة من الميزانية تتناسب مع عدد سكان الاقليم مقسوما على عدد سكان العراق على غرار ماتفعله حكومة المركز الان مع اقليم كردستان بدون ارجاع فلس واحد. لو قرؤوا الدستور الحالي او احترموه لما قالوا ذلك. فالمصادر الطبيعية للثروة والجمارك والضرائب الاتحادية هي ملك لكل الشعب وترجع لحكومة بغداد المركزية شئنا ام ابينا. ولا اعتقد ان محافظة عراقية واحدة قادرة على تنمية مواردها منفردة بعد دفع ماعليها لبغداد بما يتجاوز ماتنفقه بغداد عليها. والا مايمنعهم الان من تنمية هذه الموارد والاحتفاظ بها لو كانوا صادقين؟ ولماذا الانتظار او الافتراض ان بمجرد تشكيل الاقليم سيتحولون الى عباقرة بالصناعة والزراعة والاقتصاد والاستثمار؟ بل ان كردستان نفسها مع كل بحبوحتها عجزت عن توفير رواتب موظفيها عند توقف بغداد عن الدفع. فهل الانبار او النجف مثلا سيكونان اشطر بمجرد اقلمتهما؟ علما ان الدستور لايفرق بين اقليم ومحافظة غير منتظمة باقليم حول مبدا توزيع الثروات حسب النسبة السكانية. ومن عجز عن تفعيل هذه الفقرة حتى الان سيعجز لاحقا وبلا جدال. علاوة على ذلك فان الاقلمة تحرم المحافظة من المشاريع الاستثمارية المركزية الكبرى.

سكان الاقاليم: يتبجح دعاة الاقاليم بانهم سيكونون اعرف وافهم لطبيعة وحاجات اقليمهم من بيروقراطية وفساد بغداد وانهم سينتخبون مجلسا لاقليمهم من بين ابناء محافظتهم لادارة شؤونهم بنجاح واخلاص وسيراقبون اداء حكومتهم المحلية المنتخبة! وكأن محافظاتهم لم تشارك سابقا في انتخاب واعادة انتخاب الفاسدين والفاشلين مرة واخرى ممن في الحكم سواء في بغداد او بنفس مجالس محافظاتهم التي يشكون منها. ان من يسوق فكرة الاقاليم يفترض وياللعجب ان سكان محافظته سينقلبون بين ليلة وضحاها الى انبياء ومصلحين بينما حبر الانتخابات الاخيرة لم يمحى بعد من اصابعهم. ولو فرضنا جدلا ان احد الاقاليم المستحدثة ازدهر اقتصاديا وصار كسنغافورة كما يدعون فانه سيشهد هجرة مليونية من ياقي المحافظات او الاقاليم الاقل حظا وبما يستنزف كل المكتسبات التي قد تتحقق, الا اذا كان في النية حرمان باقي العراقيين من المعيشة في سنغافورة.

ابتزاز الاقاليم: لاشك ان الفائدة الوحيدة المرجوة من فكرة الاقاليم المطروحة هي للضغط على بغداد لتزيد مخصصات المحافظات من الميزانية والوظائف, على ان لايتجاوز هذا التكتيك الهدف المنشود. ولكن الابتزاز سيتواصل على المركز حتى بعد تشكيل الاقاليم ذات الحرس الوطني والتسلح الخاص بها وعلى الاغلب سيكون مدعوما من دول مجاورة وخارجية وربما ضد المحافظات او الاقاليم الاخرى ايضا مع اغلاق الحدود وحفر الخنادق وبناء الاسوار, هذا اذا تم القبول بالحدود الجغرافية الحالية للمحافظات ولم تشتعل حروب التحرير واستعادة الابار المشتركة وما لذلك من نزاعات.

شرعية الاقاليم: كردستان فقط تملك من الشرعية والتاريخ والنضال والتميز الجغرافي والثقافي واللغوي ما يؤهلها لتعيش وتتطور كاقليم فدرالي شبه مستقل داخل المظلة العراقية الجامعة التي لاينوي احد التخلي عنها. وفي مرحلة لاحقة قد يكون الحل التوافقي بين الاطراف هو اقلمة كركوك لما لها من تداخلات وتشعبات وتضاربات. اما باقي محافظات العراق فلا وجود ولا ميرر اصلا لاختلافها او دفعها نحو التمايز والتنابز والاختلاف. فمالذي يفرق ويميز كربلاء عن النجف او الديوانية او حتى بابل او الانبار؟ اليست هي متداخلة ومتاصرة  تاريخا وحاضرا؟ وما فرق البصرة عن الناصرية او السماوة او العمارة؟ ونفس الشيء يقال عن نينوى وصلاح الدين وديالى. كما ان جميع الاحزاب الرئيسية المتدينة والعلمانية في البلد تقف ضد الاقلمة. ولايؤيد هذه المشاريع الا بعض مرجعيات الدين غير الرئيسية وبعض الشوفينيين والانفصاليين وبعض من استهوته الفكرة ظنا انها ستخدم اهله او صراعه مع السلطة المركزية والعملية السياسية. ولاننسى دور مختار العصر بهذا الامر. فخلال 8 سنوات من حكمه الفاشل الارعن زرع كل انواع التفرقة وبذور الاختلاف بين كل اطياف البلد وتحت كل المسميات ومنها اقلمة المحافظات.

خطورة الافاليم: بلاشك ان بث اي فكر تفريقي بين ابناء العراق وتحت اي مسمى كان لايخدم احدا منا على الاطلاق وخاصة في هذه المرحلة العصيبة الحساسة التي نمر بها. اذ يكفينا ما نعاني منه اساسا من اختلافات مذهبية ودينية وسياسية واقتصادية. ان نضيف انقساما جديدا بناء على محافظة المولد او محافظة السكن لن يزيد النار الا اشتعالا. فمن منا او من عوائلنا من لم يتنقل في السكن او الوظيفة بين المحافظات سابقا ولاحقا؟ ومتى شعر احد منا بالاختلاف عند تنقله بين المحافظات شبيه بما تشعره مثلا عند الانتقال بين كردستان وباقي العراق؟

بدائل الاقاليم: اصلاح المركز والقضاء على الفساد والمحاصصة كان ولازال هو بديلنا الاول للنهوض بكل العراق. وتوعية الجماهير لانتخاب الاكفاء النزيهين في المحافظات وفي الادارة المركزية هو سبيلنا لذلك بالاضافة الى تقديم ودعم القيادات المدنية والعلمانية المؤمنة بوحدة واستقرار وتطور البلد. اما البديل المباشر للافكار والنزعات الاقليمية فهو تفعيل دستورنا الحالي الذي يؤكد على اللامركزية في الحكم وتوزيع السلطات والثروات بين كل ابناء الشعب يصورة عادلة. ولاننسى ان قانون اللامركزية الذي دعى له الدستور منذ 10 سنوات لم يتم التوافق عليه واقراره الا منذ ايام او اسابيع قليلة. وعلينا حث ومراقبة حكومتنا وبرلماننا المنتخبين لضمان تطبيق القانون. اما محليا فعلينا نقد ومراقبة وتنشيط مجالس المحافظات المنتخبة ديمقراطيا ايضا تحت تهديد عدم الانتخاب ثانية. وكشف الفساد والفشل والتقصير والمحاباة اينما وجد. وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني ومجالس الاعيان وباقي الهيئات الرقابية التقويمية المدنية التي نعرفها او نستجدها. عندها فقط سنشعر بالانجاز وسنلمس التطور الذي نسعى جميعا له. وما لانستطيع تحقيقه ضمن امكاناتنا الحالية لن توفره لنا الاقاليم مجانا بل ستزيد علينا الاعباء.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب