18 ديسمبر، 2024 11:50 م

ظن عراقيون مستاؤون من الأوضاع السيئة في بلدهم إن إقليم كردستان هو الجنة الموعودة، وإن مايجري في بغداد وبقية مدن العراق من مشاكل وفوضى وحرمان وبطالة لاوجود لها في الإقليم المستقل عن سلطة المركز، والذي يحصل على عوائد نفطية مستقلة، ويحظى بدعم دولي، وهناك الكثير من الأسباب التي تجعله نموذجا طيبا لمستقبل مختلف في ظل العمران والنهضة الثقافية والإستثمارات في مختلف القطاعات، والأمن الذي تفتقد إليه مناطق وسط وغرب العراق في ظل وجود خلافات سياسية عميقة، وجماعات عنف منظم، وعدم قدرة على وضع إستراتيجية واضحة لبناء الدولة، مع تصاعد العنف الطائفي. وكان الناس يذهبون الى الإقليم وهم منبهرون من التطور اللافت في البنية السياحية، وعدد الفنادق، ونوع الحدائق والمتنزهات والأسواق والبيئة الساحرة في الجبال، وكثرة المولات التجارية، والمعاهد المفتوحة والجامعات والمطاعم.

كل ذلك صحيح نسبيا، لكنه غير دقيق تماما. فهناك ماتخفيه تلك المنطقة الجميلة، وإذا ماتركنا المناطق الجبلية السياحية، وذهبنا الى عمق الأزمة في ساحة السراي وسط السليمانية، أو الى مناطق أخرى مثل (كفري وكويسنجق وكرميان وقلعة دزه وكلار وحلبجه وجمجمال) وهي مناطق تتصل بالسليمانية سنجد أن نسبة الفقر عالية جدا، وإن المواطنين العاديين لايجدون الكثير من الفرص الملائمة. وتنحصر الأعمال في نطاق إقتصادي ضيق، وهو الأمر الذي ينسحب على بقية مدن الإقليم وبنسب متفاوتة، وربما كان للإنقسام السياسي، وتعدد الإدارات، وظهور أجيال سياسية لاتفهم بعضها،، وبعضها لايفهم الجيل السابق بينما التقليديون لايفهمون الأجيال الصاعدة والثائرة والباحثة عن تغيير، وصحيح إن الإقليم حقق طفرات معينة لكنها بحسب مختصين لاتشكل أهمية فائقة أمام إزدياد حالات الفقر، وتركز السلطة والثروة لدى بعض الأسر النافذة والقوية.

وقبل أزمة كركوك، ودخول القوات الحكومية إليها، وطرد عناصر البيشمركه فإن الأوضاع كانت تتدهور سريعا، فالحكومة المركزية تتهم حكومة البرزاني بأنها تستحوذ على نسبة من الميزانية، وإن النفط المصدر من كردستان لاتعود أمواله الى الخزينة العامة ! فأين تذهب كل تلك اأاموال ؟ ومن يتحكم بها، ولماذا لايحصل الموظفون على رواتبهم، ولايجد الشباب فرصا طيبة للعمل حيث تبدو كردستان وكأنها لاتجد الأموال، ولا الفرص، بإستثناء مايظهر للسياح والزوار من تطور يخفي الكثير من علامات البؤس، مع إصرار السيد مسعود البرزاني وأسرته على التمسك بمقاليد الأمور، وفصل الإدارتين عن بعضهما في أربيل والسليمانية. فأسرة البرزاني تحكم قبضتها السياسية والأمنية والإقتصادية في أربيل، ولاتسمح لأحد بالتنفس، بينما توجد أسرة الطالباني المثقفة والضعيفة التي بدأت تنهار رويدا في مواجهة التقدم الكبير الذي تحرزه القوى الشابة والمعارضة المتعددة، والإنشقاقات السياسية في الإتحاد الوطني التي كرسها رحيل الرئيس السابق جلال طالباني.

التظاهرات التي إندلعت نهاية العام 2017 ليست الأولى من نوعها، ولا الأسباب التي أدت الى إندلاعها. فهي ذات الأسباب، لكنها تعمقت أكثر على مايبدو، وصارت موجعة، وتأكد للناس أن لاحل قريب في الأفق مع تمسك القوى الفاعلة برغباتها في السلطة والنفوذ، وعدم وجود حلول سياسية للأزمات المتصاعدة، فلارواتب للموظفين، ولاعمل، ولاتفاهمات مع بغداد، ولاصلة لأربيل بالسليمانية إلا في مجال التربص المتبادل بين الطرفين لإضعاف الآخر، والجميع وكأنه غافل عن التحركات التي تقوم بها قوى المعارضة الشابة، والمنشقون عن الإتحاد الوطني، وخاصة الذين رفضوا إجراء إستفتاء الإنفصال عن العراق الذين أكدوا أن كردستان ستعاني الأمرين في حال أصر البرزاني على طموحه القاتل، وهو ماحصل بالفعل.

تظاهرات كردستان صورة متقدمة لما يمكن أن يحث في الفترة المقبلة. فالمتظاهرون أحرقوا ودمروا وإعتصموا وفعلوا كل شيء لكن مطالبهم لم تتحقق، في حين تم إعتقال قياداتهم، وسجن العشرات منهم، وكل ماحصل هو إنهيار الإقتصاد أكثر، ودمار في محطة الكهرباء الرئيسة التي تزود السليمانية بالطاقة حيث أعلنت السلطات أن لاكهرباء الى إشعار آخر. فهل هو خراب كردستان في زمن شوهت فيه صورة الأرض؟