ها قد بدت تباشير الشتاء تهل علينا بعد موسم حر قائظ، طالت أيامه، حتى كدنا نتصور انه لن يغادرنا ، برغم ما قاله الاولون ان “آخر عشرة من آب تفتح من الشتاء باب”، لكن يبدو ان الباب كانت موصدة بشدة، ولم تفلح معها كل المفاتيح لتنسم هواء الشتاء البارد، حتى بتنا نقتنع أن بركة الشتاء راحت مع بركات كثيرة غابت عن هذا الوطن، ولعله سيأتي يوم وهذا العراق، بلا شتاء، وسط تمدد فصل الصيف، وكذبة الكهرباء الوطنية.
وبرغم المعاناة الصيفية ، لكن هناك من تنتابه المخاوف من فصل الشتاء ، حيث زخات المطر تغرق الدروب والبيوت المتهالكة، وتظهر المعاناة الشتوية في صورة فيضانات ، تشمخ من بينها القصور ، والاسوار العالية، فيما تغوص مساكن الفقراء تحت المياه، وتهوي أخرى ، كما تهوي قطع الدومينو، وتصبح ركاماً تسوقها الامواج ، وتتلاقى مياه الامطار مع مياه المجاري مشكلة بركاً آسنة، وظروفا بيئية وصحية خانقة.
ترقبنا، وانتظرنا، فرق أمانة بغداد، ودوائرها البلدية، من اجل اجراء صيانة مبكرة لشبكات المجاري الثقيلة والخفيفة، ومجاري الامطار، حتى لاتعاد مأساة السنوات الماضية، ويسقط ضحايا جدد تحت وقع إرهاب المطر، لكن الامانة، كما يبدو لاتبالي بتلك الحوادث، فهي تراهن على شدة التحمل ، الذي يمتاز به البغداديون، فيما تنشغل هي بهندسة الحدائق والمتنزهات وتبليط الارصفة ، تاركة الناس يواجهون شتاءهم بالدعوات “يا رب حوالينا ولا علينا”.
لقد مر اكثر من شتاء ، واكثر من فيضان، وكان الحل الوحيد للحكومة هو تعويض المتضررين ، وكأن هذه الوسيلة هي المثلى بالنسبة لها، فيما بقينا نسمع تلك التبريرات غير المقنعة التي تتعلق بضعف قدرات شبكات المجاري، على تحمل منسوب الأمطار، وقدم المشاريع، والتوسع السكاني، وكأن علينا أن نقف في حدود المنجز، ونشكو من سوء الأحوال الجوية، ونتفادى مخاطرها بالسيارات الحوضية لتدارك فيضانات الامطار التي لم يجد المسؤولون لها من مبرر الا أنها تفوق قدرة شبكات المجاري، الإستيعابية، وبالتالي يبقى الحال على ما هو عليه ، وعلى المتضرر ان يحضر (جوب) و(جزمة) ويخوض بالمياه القذرة.
ترى، هل من صخرة جديدة ستعثر عليها الأمانة هذا العام ، وهل من خطة عبعوبية خارقة لكل العواصم الورقية لحل مشكلة زخة مطر .. أم ترانا نبقى نعبر الشواطي ، ونغني لأمانتنا الأمينة “عبرت الشط على مودج …”.