18 ديسمبر، 2024 9:32 م

خدعونا بقولهم : الإنسان كائن اجتماعي

خدعونا بقولهم : الإنسان كائن اجتماعي

يقولون ان الانسان كائن اجتماعي، لكني أراه عكس ذلك، فهو فردي النزعة ، لا يبالي بالمجتمع، إلا في حالة احتياجاته اليه، فحين اذهب (مثلاً) الى سوق الخضار، اجد ان المرء ينافس غيره باختيار الجيد من البضاعة المعروضة دون اكتراث لمن حوله من المتبضعين، وتراه يتسابق للجلوس في مقاعد السينما والحافلات ، والحفلات الاجتماعية والمطاعم، وحيدا، وفي اماكن مختارة، وتشهد عيادات الاطباء حالات (رشوة) الى السكرتارية، للدخول أسرع من الغير بغض النظر عن حالة الآخرين الاضطرارية، وفي السفرات يختار اماكن بعيدة عن البعض، وفي قيادته لمركبته ينهب الطريق، مجتازا غيره، والحال ذاته، عند القصاب والخباز فينتقي الاحسن.. كل شخص يبحث عن المكان المفيد وفق منظوره، اذن ان الانسان شخصية منغلقة على نفسها، تعشق ذاتها، تفضل التعايش مع العالم الداخلي، لا تستمتع بالأنشطة الاجتماعية كثيراً، سوى بأمر شكلي، فأين المفهوم القائل ان (الانسان كائن اجتماعي)!
دائما، كنا نسمع ونقرأ ان الفرد والمجتمع مفهومان لا ينفصلان ، وحياة الفرد لا تستوي طبيعيا واجتماعيا وسياسيا إلا ضمن مجتمع ينتمي أليه، وان الانسان كائن اجتماعي، شخصيته دائما ايجابية، سليمة في نفسيتها تواقة للخير، وتتأمل في سبب وجودها، تتقدم بإيجابيها مع الأخرين، وتتفاعل بكل ما عندها من عطاء، غير ان ما ألمسهُ من التدافع مع الأخرين، من اجل ارتفاع الـ (انا) في انانيتها المفرطة ، على حساب مفهوم الجماعة، أراه بعيدا عن كل توصيف، فالمرء مزيج من ملاك وانسان وشيطان ..الملاك في شكله وملامحه.. والانسان في عقله وقلبه ..والشيطان في سلوكه.. لكن المزيج الاكثر وضوحاً غير ما ذكرت، هو تمسكه بالفردانية ، وحب الذات بعيدا عن العبارة الشائعة (الانسان كائن اجتماعي).
نحن حاليا امام انسان فردي السلوك، يثير انفعالك بالغضب ..فتراه يمزق كل الأثواب المجتمعية من اجل ذاته، فيتدافع من اجل استلام راتبه الوظيفي او التقاعدي قبل اقرانه، ينافق رؤساءه في العمل أملا في الحصول على إيفاد او كتاب شكر.. يسعى لجعل الجميع امامك عرايا.. حتى تشعر وكأنه يمزق كل خلجات الحياء الذي عاشته وتعيشه تقاليدنا ..ثم فجأة يثير انفعالك بالرضى ..وتكتشف ان هدفه لم يكن تعرية الناس من اثوابهم ..ولكنه كان يريد للنعامة ان تخرج رأسها من بين الرمال لترى نفسها..!
لقد خدعونا بقولهم : ان الانسان كائن اجتماعي .. ومعذرة لمقدمة ابن خلدون، فهذا رأيي، واتحمل نتائجه!