خدعة الطاقة المجانية (Free Energy)، بين خرافات (اليوتيوب) وادعاءات الهواة
الطاقة بمختلف أنواعها ، هي السر الكامن وراء تطور حضارة الأنسان ، هي القوة المحركة للتكنولوجيا ، وعصب الحياة المعاصرة ، الى درجة اعتبارها مسألة وجود منذ القدم ، فقد كانت قوة ملاحظة الأنسان وراء قيامه بالتدفئة والطبخ باضرام النيران لأشعال الحطب ، حتى وصل الى عصر التكنولوجيا ، وازدهار الطاقة الكهربائية لتحريك عجلات صناعته .
للطاقة اشكال متعددة ، كالحرارة ، والطاقة الميكانيكية (الحركية) ، والطاقة الكهربائية ، والكيميائية ، والضوئية والنووية وغيرها ، لكن نهم الأنسان لأستهلاك هذه الطاقة ، وما نتج عن ذلك من تغيرات مناخية وبيئية ، وظهور بوادر نفاذ مصادر هذه الطاقة ، جعلته يبحث عن مصادر بديلة ، تكون نظيفة وغير قابلة للنفاذ ، وٳن كانت هذه الخطوة جائت متأخرة جدا في رأيي من ناحية الأبحاث الجدية للحصول عليها ، لأعتماد الأنسان في الدول الصناعية على الوقود الأحفوري (Fossil fuel) المتمثل بالنفط ، ورخص ثمنه وكلفة استخراجه ، مع ظهور دراسات غير دقيقة في السابق ، من أن هذه المادة غير قابلة للنضوب ، وأعتقد ان عدم دقة تلك الدراسات ، مصدرها شركات النفط العملاقة وهي تمتلك لوبيات جبارة وذات نفوذ هائل في صنع القرارات السياسية العالمية ، علما أن كل مصادر الطاقة على الأرض ، كالوقود الأحفوري والخشب والفحم ، وحتى المساقط المائية مصدرها الشمس ، ولو حرقتَ غصنا يابسا ، فأنه سيعطيك طاقة حرارية هي بالضبط ما أكتسبه من الشمس خلال فترة تكونه !..
بأمكان الأنسان ، تحويل الطاقة من شكل الى آخر ، فالبطاريات تحوّل الطاقة الكيميائية الى تيار كهربائي ، وما يحدث في مولدات الديزل أو البنزين ، هو حرق الوقود وتحويله الى طاقة حرارية ، ثم ميكانيكية ، ثم الى كهربائية ، وعند تحويل طاقة ما من شكل الى شكل آخر ، يجب أن يصحبه ضياع فيقلل الكفاءة ، لكن الأنسان لم يستطع تحويل الطاقة الحرارية الى كهرباء مباشرة ، الا على نطاق ضيق وغير تجاري بسبب قلة الكفاءة ، وهو ما يسمى (تأثير بولتيير Poltier Effect) . وبأمكانه تحويل الضوء (الطاقة الشمسية) الى كهرباء أيضا بواسطة التأثير الضوئي (Photovoltaic) ، لكن لا تزال بمستوى كفاءة متواضعة رغم تصاعد حمى الأبحاث والتنافس بين الشركات الكبرى المنتجة للخلايا الشمسية ، والتي جاءت متأخرة أيضا !.
ان أكثر طرق انتاج الطاقة الكهربائية واقعية هو بواسطة المحركات التي تعمل على حرق الوقود (كالفحم او الديزل أو البنزين أو النفط الأسود) ، وكلها وقود أحفوري ، تكون هذه المحركات مرتبطة ميكانيكيا برأس التوليد (Alternator) المنتج للكهرباء الى حيث المستهلك ، والمثال البسيط على ذلك هو مولدات الديزل ، و(داينمو السيارة) المرتبط بمحرك السيارة بواسطة النطاق (القايش Belt) ، مع الأخذ بنظر الأعتبار ، ان كفاءة جميع المحركات (على المقياس الصغير) لا تزيد على 22% ، أي اننا سنبدد 78% من هذه الطاقة على شكل احتكاك ، وطرد الجزء الأعظم من هذه الطاقة الى الجو عن طريق نُظم التبريد ، وينطبق ذلك على محركات السيارات أيضا ، وتزيد نسبة الكفاءة بصورة طفيفة في المحطات ذات المقياس الكبير التي تولد المئات من (الميغاواط) ، كالمحطات الحرارية والغازية والبخارية ، لكنها تشترك جميعا ، انها تعمل على حرق الوقود بأنواعه ، وأعتقد أن من حماقة الأنسان ، أن يبذل الكثير بتبديده هذا ليحصل على القليل ، ورغم كثافة الأبحاث في مجال الطاقة البديلة ، الا اني اعتبرها لا زالت متخلفة ! ، فالمرء يفهم ان التقدم يعني التكنولوجيا المتطورة ، لكنها لن تساوي شيئا دون طاقة ، وستتحول الى قطع من الخردة ! .
يعتقد بعض الهواة أن بأمكانهم توليد طاقة مجانية من مولدات ذات كفاءة أكثر من 100% أو ما يسمى (Over Unity) ، بربط محرك كهربائي ميكانيكيا برأس التوليد ، ويُدار المحرك الكهربائي بمصدر خارجي اولا ، ثم اعادة تغذية جزء من الطاقة المتولدة من رأس التوليد الى المحرك وفصل المصدر الخارجي وهكذا ! ، وقنوات (اليوتيوب) تعج بهذه الأدعاءات غير العلمية ، والتي تفتقر لأبسط قوانين الفيزياء وهو ان (الطاقة لا تُفنى ، لكنها لا تُستحدث) ، اي لا يمكنك الحصول على الطاقة من العدم ، فهؤلاء يعتقدون ان رأس التوليد لا يسلط عزما كبحيا (Brake Effect) على المحرك عند تحميل رأس التوليد ، يعتقدون انه سيبقى سلس الدوران ، وهذا غير صحيح مطلقا ، ولك أن تلاحظ كيف ان محرك الديزل سيهتز ويزمجر ويصدر دخانا من عادمه ، عند تسليط حمل كهربائي ثقيل عليه ، هذا هو الثمن الفيزيائي لتحويل الطاقة الميكانيكية الى كهربائية .
وفي حالة فكرة هؤلاء الهواة ، سيقوم رأس التوليد بتوليد الكهرباء فعلا عند تدويره بمحرك كهربائي ، لكن ما أن يُفصل مصدر الكهرباء الخارجي ، ويُغذى المحرك من رأس التوليد ، حتى يبدأ بالتباطؤ بسرعة ويتوقف ، قبل حصاد (واط واحد) من هذه المنظومة ، والسبب الضياع التدريجي للطاقة بسبب الأحتكاك ، والضياع في مقاومات اسلاك المولد ورأس التوليد ، بحيث تقل الطاقة تدريجيا وبسرعة من المولد ثم رأس التوليد ثم المولد ثانية ، ويتوقف نهائيا !.
فكرة أخرى قد تلقى القبول لأول وهلة ، هي باستخدام مولدة بنزين صغيرة ، تنتج تيار مستمر (DC) بمقدار (24V) ، يعمل على التحليل الكهربائي لحوض محكم مليء بالماء ، فيتحلل الماء الى عنصريه (الهيدروجين والأوكسجين) ، ثم توجيه خليطهما الى (كابريتة Carburetor) المولد ، ويدعون ان ذلك سيجعل المولد يدور بصورة دائبة (Perpetual Motion) ، بل يمكنك الحصول على الطاقة المجانية منه ، لكننا نعلم ، أن الطاقة المبذولة لتحليل الماء كهربائيا أكبر بكثير من الطاقة المحصلة حرق الهيدروجين ، أي من المولد الذي يعمل بمحرك ميكانيكي قليل الكفاءة أصلا ، فضلا عن خطورة انفجار الحوض لوجود الخليط الغازي بداخله ، لكن هنالك فرق ، بين توليد الهيدروجين فقط بتقنية مختلفة ، وخزنه بصورته السائلة لتسيير السيارات العاملة على الهيدروجين اما بأحراقه في محرك تقليدي ، او بواسطة خلايا الوقود الكهربائية (Fuel Cell) ، والتي تقوم بعكس عملية التحليل ، اي توليد الكهرباء من خلال اتحاد الهيدروجين بالهواء الحر ، وهذه تقنيات معمول بها حاليا ، ولا شأن للطاقة المجانية فيها .علم الفيزياء ينفي مطلقا وجود كفاءة لأي منظومة تزيد عن 100% وفي الحالة المثالية فقط التي هي غير موجودة عمليا ، فكيف لنا أن (ننعم) بطاقة دون مقابل ؟!، ربما غفلت شركات الطاقة العملاقة عن فكرة الهواة هذه ! ، والتي فيها كل التلاعب والأحتيال ، والأجدر أن يحاكموا ، لأنهم سيسببون الكثير من الجهود الضائعة والخطرة لمن يشاهد هذه الفديوات ويحاول تصنيعها أو تقليدها (Replication).
هنالك فرية أخرى طلع بها هؤلاء الهواة ، هو استخدام المغانيط للحصول على دوران مستمر كما يدعون ، مستغلين مبدأ (التنافر الزاوي Angular Propulsion) بواسطة مغانيط مائلة ثابتة ومتحركة ، وهذا غير صحيح اطلاقا ، لأن المجال المغناطيسي ثابت ، والشرح يطول في هذا المجال ، فالتنافر لا بد ان يقابله جذب وعليه ستكون المحصلة صفرا ، أي بضع دورات ويتوقف ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، فالبعض يصنع دعاية لبيع جهازه لتلبية حاجات المنزل بهذه الطريقة بمبلغ باهض ، وهذا هو عين الأحتيال .
جميعهم يلجأون الى نظرية المؤامرة فيدّعون ان أجهزتهم وجهودهم ممنوعة من قبل لوبي النفط والطاقة ، ويكررون عبارة (الحكومة لا تريد لك ان تعلم ذلك) ! ، فلو وُجدت مثل هذه الأجهزة من غير المزيفة ، لأنتشرت انتشار النار في الهشيم رغم كل شيء ، وصل السخف والأستخفاف بعقول الناس بأحدهم وهو يتكلم الأنكليزية بلكنة أعتقدها روسية ، وهو يدعي توليده للكهرباء بواسطة (سيّار) كهربائي ، فيضع القابس (البلك) لهذا السيار بمأخذ نفس السيار لعمل دائرة مغلقة ، ثم يقرب منه (قداحة) ليعمل شررها على انارة مصباح الدلالة (النيون) الصغير في هذا السيار بخدعة خبيثة ، ويدعي انه بالأمكان ربط عدة أحمال بهذا السيار للحصول على طاقة مجانية دون مقابل !.
ان خدعة المحرك الدائب الحركة (Perpetual Motion) قديمة تعود لمئات السنين ، وأدعاها المئات من المحتالين ، ولم يثبت وجوده لحد الآن ، لكن علينا التفريق بين الطاقة المجانية (Free Energy) اللاموجودة والتي طالما ادعاها هؤلاء المحتالون ، والطاقة المتجددة (Renewable Energy) ، وهي علمية وواقعية ، كالطاقة الشمسية ، وطاقة الرياح ، والمساقط المائية ، وان شئت عزيزي القارئ الرجوع لمقالتي (ماذا تعرف عن الطاقة المتجددة )، في (كتابات) في 29 كانون الثاني 2014. كل عام وأنتم بخير