19 ديسمبر، 2024 12:52 ص

خدعةُ النصر…عقدةُ الشعوب‎

خدعةُ النصر…عقدةُ الشعوب‎

إن لكل عقدة سواء كانت في الفرد ام في المجتمع ذاته مسببات كثيرة منها الخوف او قد تكون صدمة بسبب حدث معين او هي البيئة الناشئة للحالة نفسها وقدتكون هناك مسببات اخرى غابت عن الكاتب  .ومانحن بصدده يعزى الى البيئة الفكرية للانسان ،فنجدالانسان في مجتمعاتنا   يحمل شخصية ذات صبغة مثالية قد تبتعد عن الواقع في جوانب عديدة ،خُزنت في عقل اللاوعي وانسجمت مع اخيلته فيحاول التعويض عنها باسقاط صورتها على شخص ما من واقعه فمشاعر الانسان تخلط بين الخيال والواقع ودليل على ذلك  الشعور بالخوف فماهو الا خيال يصدقه الانسان ويكون اسيرا لهُ ويختلف ذلك من شخص الى اخر .اذن هو يشبه ماهو مخزون بما هو واقع فقد يكون ذلك لمجرد شعارات تبناها المُسقط عليه تتطابق في غايتها مع الصفات المخزونة في اللاوعي، وينصاع الى المشبه به لابل انه يدافع عنه ويقف ضد ناقديه واحيانا يلجأ الى محاربتهم .وغالبا مايكون هذا الموقف لمصلحة قد لاتبدو كذلك لحاملها .ولمعالجة ذلك يجب ان نفهم ماهي العقدة والوقوف على المكون لمادتها من خلال تحليل عناصرها فالعقدة في علم النفس من منظورنا :هي فكرة سلبية تظهر الى الواقع من خلال السلوك والتفكير اما الخدعة لغةً تعني :الاخفاء. واصطلاحاً اظهار خير بابطان شر يوؤل اليه امر ذلك الخير .

واما النصر فمن الناحية اللغوية هو العون و تحقيق الغلبة. وفي مفهومنا اصطلحنا عليه :انه تحقيق غاية اعترضها عارض قبل تحققها  وزال العارض بتحققها .ونعلل تكوين هذه العقدة الى اجتماع العنصرين الاول والثاني حيث الاخفاء يقع تحت مظلة الغلبة ويعود لتجميل صورتها من خلال وسائل كثيرة اهمها التاريخ ،سيتم في ذلك الحين الخلط بينها وبين الخير المطلق  وعندئذ ستُنكون فكرة في الانسان عن الغالب انه الخير المطلق المنسحب من الغلبة  ،والميول دائما الى وجود مثيلهُ في الواقع الذي يعيشه.فكانت البيئة الخصبة لانشاء هذه العقدة هي مادة التاريخ والذي رفع من مناعتها وسطوتها وسائل الاعلام المختلفة.و سنبين ذلك تباعاً : حيث ان جميع الاطفال الذين هم مابين سن التاسعة والعاشرة من العمر والى سن الثامنة عشر يُدَرّسون مادة التاريخ وهي اساس في تكوين وبناء شخصية الفرد في مايخص اعتقادهِ وتكوين مبادئه.وللاسف فان السم غالبا مايُدس في مناهج تلك المادة ليس في تكوين التصورات الخاطئة فقط ،او خيانة الامانة العلمية في نقل المعلومة ،انما في خلق عقدة لدى الفرد الذي هو لبنة تكوين المجتمع  وهي عقدة أطلقنا عليها اسم خدعة  النصر .فاننا نكون ضحية تلك الخدعة العقدة .فاغلب المناهج التي تُدرس ترسم صورا لاشخاص خيالين لايمتون للوقع الانساني بصفة ،فدائما مانجد المنتصر هو شخص يتصف بالنزاهة والخصال الحميدة او انه رجل مبدئي هذا مايكون لدينا حب لهذه الشخصيات .
اما دور وسائل الاعلام فانها توكد صحة المنقول الذي عُلقَ في حفظنا وكانها صحفٌ مرسلات من السماء وبعد تكوين الصورة لاولئك الشخوص ،غالبا ما نُسقطها على شخوص من واقعنا الى درجة اننا نصفهم بالملائكية لا بل نغلبهم على ذلك الرمز الموجود في وجداننا على الرغم ان ماضي هذا القائد لاينم عما يصفه به مريده ويكون ذلك جليا في دراسة تاريخه ومتابعة سلوكياتِه بتجرد تام وببعد عما اذا كان هو جزءاً منا او على الضد .ولكي لا يتصيد البعض بالماء العكر ويفسرون هذه العقدة كما يحلو لهم فدوما هناك استثناء لايقاس عليه انما يُتخذ كأنموذج نسعى لبلوغه وهو وسيلة لتجاوز هذه العقدة.
فخذ اليك المقارنة التي ذكرها الدكتور علي الوردي للمستشرق ادوارد براون  بين بدو الجزيرة كما يصفهم وبين بدو صحراء اسيا “المغول” عند فتحهم لايران فقد كان المغول سبب لخراب هذه البلاد اما عرب الجزيرة  كانوا فرسانا وابطالا ولهم من الخصال الحميدة الكثير وجلبوا معهم الخير لتلك البلاد ونحن نميل الى تعليل الذي ذكره الدكتور الوردي في ان محمد بعث في اصحابه واهل بيته روح العدل والمساواة .فكل من يريد ان يتخلص من هذه العقدة عليه البحث عن الانموذج في القياس لا التشبيه،وقد نجد انموذجا جيد ولكننا نجهل كيفية المقارنة به وعندها نرى في تلك القيادة صورة طبق الاصل من الاصل او قد يكون سبب الاسقاط  لمصلحة في تايد تلك القيادة  .من هنا على الفرد في مجتمعاتنا التي تعاني من ارهاصاتٍ كثيرة في الوقت الراهن بسبب وجود قوى كثيرة على الساحة السياسية وهو امر طبيعي في حياة الشعوب زمان الفوضى ؛

ولكن من غير المقبول استمرار هذه الارهاصات فيجب القضاء على العامل المساعد في تكوينها بالقضاء على النتائج التي سببتها عقدة الخدعة لانها ستجعل الانسان المجرد تحت وطئة الخديعة التي ستنعكس سلبا ليس على واقعه السياسي فقط انما على كافة مجالات الحياة المرتبطة بذلك . فسبل القضاء على النتائج واجتثاث مسببها من خلال زيادة الوعيين السياسي والثقافي في ذاتك وتأثير ذلك على من هم حولك باوسع دائرة من غير التاثير على خياراتهم، وايضا من خلال البحث عن الانموذج  التاريخي واسقاطه على نموذجنا الواقعي ، ودارسة تاريخه  بمعزل عن الفئوية ومن اي طائفة هو او اي عرق،وتمحيص سلوكياته والباعث الدافع للسلوك ولنتعلم من رجال السياسة حين ينظرون الى الباعث ونتائجه و لاينظرون الى الفعل، كل ذكل سيساعد في اختيار الانموذج الصحيح  بعيدا عن الاثار التي ولدتها العقدة وبالمحصلة نكون قد تخلصنا  منها بزوال سببها واثارها.