خان جغان، كلمة تعود للعهد العثماني، تعني مكان مخصص للمسافرين، وعابري السبيل، بني خلال القرن الرابع عشر ميلادي، يعود بناؤه الى ايام الوالي “جغاله زاد سنان باشا”، كان من المتعارف عليه ايام حكم الدولة العثمانية.
كان يعرف عن البغدادين، أنهم اطلقوا مثلا شعبيا عنه، يوم قالوا متهكمين “هي الجنة خان جغان ياهو اليجي يدخلها؟” اشارة للمكان الذي تسوده الفوضوية، من التقاء وافتراق أناس جمعتهم الصدفة، لا يعني لهم الخان سوى نقطة استراحة، ليس اﻷ .
لم يبقى من أثار خان جغالة، سوى لوح من القاشاني الازرق، كتب عليه عمر هذا الخانمان ومافيه من البنيان، في ايام دولة السلطان “مراد خان” خلد الله ملكه وسلطانه، وأفاض على كافة العالمين عدله وأحسانه” الا ان ماتخلد من الملك تلك اللوحة فقط !
ان ما نستشعره في أيامنا هذه، أننا نتعامل مع الوطن معاملة “الخان” مكان نمكث فيه، متى ما ساءت الخدمة غادرناه، غير أسفين ، فمع انخفاض مناسيب الشعور بﻹنتماء للوطن ، ظهرت موجات من الهجرة الجماعية للشباب، الذين هم عماد البلد وذخيرة المستقبل.
ﻷن شعور الفرد بانه لا يملك من الوطن الكبير، شبر من الارض جعلت منه فردا عابثا بالشارع غير مكترث للنظافة، في حين انه حريص على النظافة في منزله، أضافة الى انها اصبحث ثقافة سائده، “اللامبالاة” بالصالح العام، كلها من الامور التي انعكست، على الطابع العام للشخصية العراقية، هذا ما نشهده من اعلى المستويات، الى ادنى فرد بالمجتمع.
اذ برزت على السطح ظاهرة المسؤول “المقاول” الذي همه العمولة فقط من المنصب ، فاصبحت “الانا” هي الطاغية على المشهد، و الجميع بات اناني ، من هنا يكون الوطن لقمة سائغة للطامعين، وهدف سهل للمسيئين، وتكثر التدخلات الخارجية، ﻷن ابناء البلد مشغولون بأطماعهم الخاصة وتناسوا، ماعاهدوا الله عليه من حفظ اموال الناس ومصالحهم.
اضف الى ذلك عدم توحيد الخطاب السياسي، وتعدد الاصوات المعارضة على كل شاردة ووارده، بغض النظر عن اصل الخلاف، فهو يعارض ﻷن اﻵخر لا تروق له ربطة عنقه!
اسهمت كل تلك المشاهد، ان تعطي لﻷخر فكرة، ان الوضع الداخلي للعراق غير واضح ومشوش، فتطاول الاتراك بأرسال قوة عسكرية، بدون اي غطاء قانوني،او مسوغ شرعي الى الاراضي العراقية، وبتجاهل متعمد، لكل الجهود الدبلوماسية العراقية، لانهم توجسوا ضعف داخلي من الجانب العراقي، والا لما تجرؤا على تلك الخطوة المشينة.
تبعتها اساءات بوسائل الاعلام، طالت الشعائر الدينية
وبالخصوص”زيارة الاربعين” للامام الحسين ع، وكالعادة مرت الحادثة، بدون اي موقف قوي، يمثل رد الجانب العراقي لتلك الاساءات، وجاءت أخر مسلسل التجاوزات من إثارة الجانب الكويتي ﻷزمة “خور عبدالله” وما تزامن معها من ملابسات بوسائل الاعلام، حول عائدية الخور، ومما أزم الوضع اكثر تصريحات الجانب الكويتي بخطابات تفتقر للحس الدبلوماسي، وتحمل الكثير من الاساءات، ان دلت على شئ تدل على حقد دفين، وعقدة بالنقص، لم ولن يستطع الجانب الاخر ان يتجاوزها، ولا عجب في ذلك اذا علمنا ان الكويت البلد الوحيد الذي يملك ثلاث تقاويم، تقويم ميلادي وتقويم هجري وتقويم الغزو!
ان السؤال الاهم هو، هل العراق ضعيف ام مستضعف؟ الجواب هو، لم يكن العراق يومآ ضعيفا بل من اضعف جانبه هم السيئين من ابنائه، فأصبح من هب ودب، يتطاول عليه من جيرانه، لذا فان عدم تدارك الامر قبل فوات الاوان، يجعل العراق مثل خان جغان، ولا يبقى منه الا اثر لوح مكتوب بخط كوفي هنا ارض السواد، ولا سواد بالارض!